لم تكن أية زيارة‚ يقوم بها رئيس حكومة لبنانية إلى دمشق‚ تثير اهتماما استثنائيا مثل الاهتمام الذي اثارته زيارة الرئيس الجديد لحكومة لبنان فؤاد السنيورة إلى دمشق مؤخرا‚ وإذا كانت طريق بيروت ـ دمشق قد اختلفت اليوم عن السابق‚ وتغيرت فيها محطات كثيرة‚ فان حقائق الجغرافيا والتاريخ تفرض نفسها‚ وان تكن أخطاء الممارسات السياسية المشتركة بين الجانبين قد اساءت كثيرا إلى هذه الحقائق في مراحل عديدة.

لقد عصفت بلبنان أمواج عاتية‚ منذ فبراير الماضي على اثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري‚ لكن الحقائق المشار إليها لا يمكن لهذه الامواج ان تمحوها‚ حتى ان الولايات المتحدة وفرنسا اللتين تمارسان حاليا نوعا من الرعاية اليومية المباشرة للتحركات الرسمية اللبنانية تأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار عندما يجري البحث‚ سلبا أو ايجابا‚ في مستقبل العلاقات اللبنانية ـ السورية التي احتلت حيزا خاصا في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة.

رئيس الوزراء اللبناني‚ فؤاد السنيورة‚ اعطى انطباعا ايجابيا بعد عودته من دمشق‚ لكن هذا الانطباع الايجابي يحتاج إلى متابعة‚ وتدقيق‚ فدمشق كانت قد رحبت بمضمون البيان الوزاري للحكومة اللبنانية الجديدة‚ ما يعني أنها هيأت الاجواء لمثل هذا الانطباع‚ ويبقى ان الترجمة العملية لهذه الايجابية هي المحك والمعيار‚ فبمقدار ما تستطيع الحكومة اللبنانية الواقعة تحت الضغطين الأميركي والفرنسي‚ ان تبني علاقات جيدة مع سوريا بعيدة عن اساليب التشنج‚ وعن الاحتمالات الخطيرة لاستخدام الساحة اللبنانية بوجه سوريا‚ بمقدار ما يتحول هذا الانطباع الايجابي إلى حقيقة سياسية‚ وإلا فانه يبقى كلاما في إطار اللياقات الأدبية الجميلة ولكنها تفتقد إلى التطبيق العملي.

ان أهمية ما قام به رئيس الوزراء اللبناني سريعا‚ بعد ان نالت حكومته ثقة البرلمان‚ هو انه كسر الجمود المخيف الذي اصاب العلاقات بين لبنان وسوريا في الاشهر الستة الماضية‚ واعاد فتح الابواب أمام حوار من نوع جديد‚ وهذا اقصى ما يستطيعه في الوقت الحاضر‚ وهو ضرورة قصوى فلبنان وسوريا لا يمكن ان يعيشا كبلدين عربيين متخاصمين‚ ولا يمكن للوضع الداخلي في كل منهما إلا ان يؤثر على الآخر‚ ولهذا السبب بالذات‚ وقبل غيره‚ فان جميع المراقبين ينتظرون ما سيؤول إليه ملف العلاقات اللبنانية ـ السورية الذي هو ملف لبناني ـ سوري‚ وعربي ـ دولي في وقت واحد.

مصادر
الوطن (قطر)