بين شارون وشيراك وقضايا الساحة العربية

كما هو متوقع فقد طغت على الصحافة الإسرائيلية الصادرة في الأسبوع الماضي, التحليلات والتعليقات السياسية ذات الصلة بخطة الانسحاب المرتقب من قطاع غزة, وما يمكن أن يصحب هذه الخطة من أعمال عنف ومواجهات, فضلاً عن تداعياتها على الساحتين الإسرائيلية والفلسطينية. غير أن ذلك الجانب لم يكن الوحيد الذي اهتمت به الصحافة الإسرائيلية خلال الأسبوع المذكور, إذ اهتمت بجوانب أخرى تهم الساحتين العربية والإسرائيلية على نحو ما نرى خلال هذا المسح العام.

ما الجديد في زيارة شارون إلى باريس؟

كان ذلك هو السؤال الذي أثارته وأجابت عليه صحيفة "جيروزاليم بوست" في افتتاحيتها ليوم الأحد 31 يوليو المنصرم, حيث قالت إن الرئيس الفرنسي جاك شيراك, لم تفته فرصة واحدة من فرص الانضمام لأي تحالف دولي مناوئ لإسرائيل, على امتداد عدة سنوات. ولذلك فقد علقت الصحيفة على الكلمات التي وصف بها شارون الرئيس شيراك, أثناء زيارته الأخيرة لباريس, بأنها مما لم تألفه الأذن الإسرائيلية. يذكر أن شارون نعت شيراك بأنه "صديق لإسرائيل وبأنه أحد أعظم قادة العالم المعاصرين". ومضت الصحيفة إلى القول إن في تلك النعوت ما يقتصر على حدود المجاملة, وكون شارون ضيفاً على باريس وشيراك أثناء إدلائه بتلك التصريحات. بيد أنه ليس من المستبعد أن تحمل تلك الكلمات معنى أبعد من ذلك, مما قد يشير إلى حدوث بعض التغييرات في طبيعة العلاقة بين باريس وتل أبيب. ضمن ذلك لاحظت الصحيفة, أن شيراك قد خفض كثيراً من نبرة الهجوم التي صبغت لسانه وتصريحاته عن كل ما له علاقة بإسرائيل. وفي معرض افتتاحيتها قالت "جيروزاليم بوست" إن الوقت لا يزال مبكراً لإصدار حكم على ما بدا من نبرة في حديث القائدين الفرنسي والإسرائيلي, إلا أنه ليس مستبعداً أن يكون شيراك قد تنبه مؤخراً إلى أن مواصلة عدائه لإسرائيل مقابل انحيازه إلى جانب العرب, لم يؤد إلى تعزيز موقفه في الساحة الدولية.

محاولة قراءة ما في ذهن "أبو مازن"
تلك هي المقالة التحليلية الرئيسية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادرة يوم الاثنين الأول من أغسطس الجاري. وجاء في مقدمتها أنه وجه سؤالا إلى رئيس الوزراء الأسبق إيهود براك -قبل توليه المنصب- عن الكيفية التي سيكون عليها تصرفه فيما لو كان شاباً فلسطينياً, يعيش تحت نير الاحتلال الإسرائيلي؟ فما كان من باراك إلا أن أجاب أنه كان على الأرجح سينضم إلى واحدة من فصائل المقاومة الفلسطينية للاحتلال! ومن هذه المقدمة تخلص الصحيفة إلى أنه سواء لخوض معركة حربية قتالية أم معركة من أجل السلام, فإنه لابد من الغوص في ذهن الخصم, ومعرفة ما الذي يدور في ذهنه وكيف يفكر؟ ويتطلب هذا بالطبع أن يضع المرء نفسه موضع الخصم, ويحاول تقمص شخصيته. وعليه فإنه لابد من إثارة السؤال العكسي على النحو التالي: ما الذي ستفعله إن كنت رئيساً للسلطة الفلسطينية محل "أبو مازن"؟ لا يسمح المجال بالطبع باستعراض كل الإجابات التي أوردتها الصحيفة على هذا السؤال, غير أنها تقوم جميعها على فرضية ذهنية تسيطر على ذهن "أبو مازن", مفادها: "كيف لي وأنا الفلسطيني أن أنوب عن إسرائيل وألعب عنها لعبتها بين أهلي وشعبي؟".

كفوا عن حمايتكم للإرهابيين

هذا هو عنوان المقال الرئيسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الصادرة في 31 يوليو المنصرم, وفيها دعوة للقادة والزعماء العرب, للتصدي لأولئك الذين يدعون لثقافة الكراهية والعنف والإرهاب. يبدأ المقال بتقرير إنه ليس صحيحاً القول إن القادة العرب في كل من مصر والمملكة العربية السعودية وغيرهما لا يريدون استئصال شأفة الإرهاب والتطرف الإسلامي من بلدانهم. بالطبع هم يرغبون ولهم مصلحة كبيرة من ذلك, بيد أن المقالة تنعتهم بالخوف والتردد في مواجهة الغضب الشعبي, الذي ربما تثيره مواجهة ثقافة العنف, حرصاً منهم على الحفاظ على كراسي الحكم ومناصبهم. وذكرت الصحيفة أن هناك استراتيجيتين جرى تطبيقهما حتى الآن في التصدي لظاهرة الإرهاب والعنف في المنطقة. أولاهما استراتيجية الإبادة الجماعية للإرهابيين, على نحو ما نفذته قوات الجيش الجزائري العلمانية. والعيب في هذه الاستراتيجية أنها تحرز نصراً عسكرياً على الإرهاب, إلا أنها تخلف وراءها أنهاراً من الدماء وبراكين من الغضب والحقد عليها. أما الاستراتيجية الثانية فتتمثل في اصطياد القيادات الإرهابية فيما يعرف بأسلوب "القتل النوعي" الذي نفذته إسرائيل. ويمضي المقال بعد ذلك إلى تقييم واستعراض كافة السبل المفضية إلى مكافحة الإرهاب, على المستويين الميداني العسكري والسياسي والآيديولوجي الفكري.

نذر الحرب الأهلية في العراق

هذا هو العنوان الرابع والأخير الذي نستعرضه من صحيفة "يديعوت أحرونوت" التي ترى أن العراق كان على شفا حرب أهلية منذ الأيام الأخيرة لعهد صدام, سواء غزاه الأميركيون أم لم يفعلوا. ولذلك فإنه لم يكن مستغرباً أن يحصد يومان فحسب من الأيام القليلة الماضية هناك, أرواح ثلاثين شخصاً مدنياً وعسكرياً, كما ليس مستغرباً أن يخيب أمل الجنود الأميركيين في أن يحل محلهم زملاؤهم العراقيون وأفراد الشرطة وغيرهم من جنود وأفراد القوات النظامية. فالشاهد أن العنف الذي يمارسه السنيون, يشجع الجماعات الأخرى على تسليح نفسها, وبالتالي يعزز احتمالات المواجهة ونشوب الحرب الأهلية, بين مختلف التيارات والمجموعات العراقية. ومما يزيد هذا الاحتمال, الاستبعاد التام من دوائر السلطة واتخاذ القرار للمجموعة السنية, التي ظلت تمسك بزمام السلطة على امتداد الحقب والعقود.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)