عندما نمل من تعابير "الهيمنة" و "انتهاك السيادة" نتحول باتجاه اللون الأكثر نصوعا، حيث تصبح التقارير ممزوجة بالوعيد، بينما تحلق الافتتاحيات ضمن "فورة الدم" وثارات القبيلة.
وبينما يتسابق السياسيون لتسجيل مواقفهم المتناظرة فإن شارع الصحافة يتلوى على أمجاد الستينات، وعلى قدراته في البقاء رغم الحروب والانتكاسات .. فما هي الردة الجديدة؟ وهل سيدخل الإعلام مرحلة الجاهلية؟
ما حدث منذ أربعة أشهر ليس حربا إعلامية، هذا إذا حاولنا قراءته على أساس أن الصحافة في لبنان حرة وغير تابعة لسلطة الحكومة ... وما حدث منذ أربعة أشهر وحتى اللحظة هو الاختناق في رؤية سياسية واحدة، وإعادة قراءة التاريخ وفق نموذج إطلاقي، وفي أحسن الأحوال التحليق في فضاء الإعجاب بأقلام المعارضة في سورية... هذه الأقلام التي وجدت في الصحافة خارج سورية مساحتها الوحيدة ...
شارع الصحافة البيروتية قدم مشكورا في الماضي القريب صفحاته للأقلام السورية .. وقدم مشكورا في الأشهر القليلة الماضية صور الاتجاه الأوحد للديمقراطية.
وشارع الصحافة البيروتية الذي أصبح "مدرسة" وسط عالم عربي غير قادر على احتمال الآخر، أسس ذاته استنادا إلى "منارة الإعلام" وليس على "حقد القبائل" ... فهل تغيرت جذور الكلمة كما اعتدناها وأصبحت سجالا للأفخاذ والبطون ولاصفرار الماضي البعيد.
ما حدث عمليا هو "حملة إعلامية" استفادت من الفراغ الكبير داخل الإعلام السوري .. استفادت من قلة المطبوعات في سورية، ومن عدم التهيئة لأزمات مشابهة .. واستغلت الهدوء الحذر في التعامل مع الهجوم على سورية ... لذلك فإن ما حدث ليس حربا إعلامية، بل استفادة قصوى من تاريخ الصحافة اللبنانية للسير في اتجاه واحد.
لا نملك عتبا على الصحافة اللبنانية .. فهي حرة في مسح صورتها التاريخية أو تجديدها أو حتى خوض "حملات إعلامية" كما تشاء ... لكن هناك "انكشاف" إعلامي واضح يحتاج بالفعل إلى صياغة استراتيجية في المطبوعات والنشر، وإيجاد الحدود الحقيقية لقدرة الإعلام في رسم صورتنا، مهما كان نوع هذا الإعلام: رسمي أم خاص.