يدور في سوريا حالياً حوار حول إعادة تعريف هوية السوريين، هل هي عربية سورية أم سورية عربية؟ أم سورية فقط من دون أي بعد قومي؟.

وقد تصاعد الجدل حول ذلك بعد خروج القوات السورية من لبنان وعبر عن نفسه أكثر بمسيرات التأييد للرئيس بشار الأسد التي اكتفت برفع أعلام سوريا دون أعلام البعث أو الشعارات القومية المعتادة.

كما أتت قرارات وتوصيات ونتائج مؤتمر حزب البعث الحاكم في سوريا التي ركزت على القضايا المحلية والداخلية لتدفع هذا النقاش نحو الأمام ولتجعل الكثير من الأقلام والأصوات تخرج على الملأ لتطالب بتغليب مصلحة سوريا الدولة على «المصلحة القومية» التي كانت ديدن السوريين في فترة ما بعد الاستقلال قبل ستين سنة.

«البيان» استطلعت آراء بعض المفكرين السوريين حول شعار «سوريا أولاً» الذي بدا يغزو الشارع ويعبر عن نفسه بمقالات وتعليقات وحتى مواقف سياسية رأى البعض أن مشكلة الحدود مع لبنان وغير لبنان إحدى تعبيراتها.

وفيما اعتبر بعض المفكرين والسياسيين السورين أن هذه الظاهرة حقيقية ولها ما يبررها ويدعمها في الشارع السوري، رأى آخرون أنها ظاهرة عرضية.

وضع المفكر والناشط السوري المعارض ميشيل كيلو هذه الظاهرة «ظاهرة شعارات مصر أولاً والأردن أولاً والسودان أولاً وأخيراً سوريا أولاً، في سياق انهيار الفكرة العربية انهياراً كاملاً وإحساس الأنظمة أنه لم تعد تستطيع الاستعانة بغيرها من الأنظمة من أجل البقاء».

واعتبر كيلو أن «هذا النوع من الإيديولوجيا الجديدة يتعارض مع إيديولوجيا السلطة في سوريا، التي كانت التي كانت تقول بأولوية الوحدة العربية وتعتبر أن الدولة السورية حالة مؤقتة محكوم عليها بالزوال».

وأضاف: «كما هو معلوم فإن هذه الإيديولوجيا الجديدة سيكون لها بالتأكيد ترجمتها في الواقع الذي يشهد انكفاء دور سوريا العربي. فهل سيقتنع السوريون أن نظاماً هذه أوضاعه نكص عن الوحدة ومحا الاشتراكية ونكص عن الحرية، وهي شعاراته، يمثل بلادهم سوريا التي يجب أن يدافعوا عنها؟».

ورأى كيلو أن للموضوع جانباً آخر إذ «تم تغييب سوريا خلال السنوات الأربعين الماضية وراء شعارات كبيرة، وإذا كان المواطن العادي سيتبنى هذا الشعار ببعده الوطني وليس السلطوي فإن هذا سيكون دليلاً على خوفه على وطنه وعلى رغبته في أن ينهي النظام سياسات المغامرات هنا وهناك، وسيكون دليلاً على استعادة هذا الوطن باعتباره وطناً بمنأى عن التهديدات وعن سياسات التجريب الخطيرة التي يعتمد عليها أهل السلطة».

من جانب آخر رأى المفكر البعثي أحمد حاج علي أن «المسألة القومية والحاضن القومي حيويان جداً لسوريا. وتابع: «هذا إذا أضفنا إلى ذلك مجمل الأحداث التاريخية والخيارات والتي أخذت معناها من سوريا مثل الصراع العربي الصهيوني والوحدة السورية المصرية والقضايا الأخرى مثل الأراضي العربية المحتلة كلواء اسكندرونة والجزر الإماراتية الثلاث.

وسبتة ومليلة وصحراء أوغادين وغيرها». واعتبر أن «أي خلل أو محاولة لطرح بديل عن القاعدة القومية ستكون قاتلة لأي خيار يلغي المناخ القومي والواقع القومي».

وأضاف حاج علي: «لا ننكر أنه حصلت في المرحلة الأخيرة اختراقات كبيرة في الوطن العربي وجرت تحولات متسارعة ابتداء من كامب ديفيد، وباتت الأنظمة تنكفئ إلى الحالة القطرية.

كما جاء التحول الأكبر في النظام العالمي الجديد وتركزت استهدافاته في الوطن العربي بسبب حالة الضعف الواضح، وإغراءات السوق، وللأسف أصبح النظام العربي قطرياً أكثر فأكثر وأصبح القطر هو المحور اعتقاداً بأن ذلك سوف يؤمن له الديمومة».

وأكد أن سوريا تعيش «حالة صراع حقيقي بين أساس قومي، وبين بعض الحالات التي عبرت عن نفسها بخيارات خاصة وذاتية وأحياناً مذهبية وعشائرية استندت إلى رعاية أميركية تحت حجة أن هذه المسألة ديمقراطية».

وشدد حاج علي على أن «المسألة بحاجة إلى توضيح إعلامي وثقافي وسياسي، ولذلك نرى غياباً لدور المثقفين القوميين في سوريا وحضور بعض التصريحات الإعلامية توحي بأنه توجد حالة تبدل في سوريا بعد الانسحاب من لبنان».

وانتقد حاج علي «الإعلام السوري الذي لم يتعامل مع هذه الحالة بالشكل المناسب، ولم يظهر ما حصل في لبنان خلال الفترة الماضية من تحولات إيجابية على صعيد المقاومة وتحرير الجنوب، حيث أصبح قوياً بقوته وليس بضعفه كما كان يشاع، وترك الفرصة للآخرين لكي يقولوا ما يقولون».

وأشار إلى المؤتمر القطري لحزب البعث الذي غابت عنه ثقافة العامل القومي، ليس تخلياً عن الفكر القومي بل انجذاباً نحو الداخل، مشيراً إلى أن للأنظمة خياراتها وللشعوب ضروراتها، مشدداً على أن القضية القومية راسخة في سوريا رغم الجروح والأحزان.

واعتبر الكاتب والناشط السوري أكرم البني أن السبب في ظهور شعار «سوريا أولاً» هو «فشل الفكر القومي في تحقيق نتائج على الأرض، إن كان على مستوى تحقيق الوحدة أو على مستوى التضامن العربي». وأكد أن ذلك يشكل سبباً موضوعياً لنشوء ظواهر تتجه نحو القطرية، مشيراً إلى أن «هذا فيه جانب من الحقيقة».

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)