نشرت إحدى الصحف السورية الرسمية الثلاث على صفحتها الأولى الخميس الماضي تقريرين إخباريين.

الخبر الأول:
تناول محاضرة ألقاها الدكتور عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية, في ملتقى مجتمع الأعمال الشهري الأول الذي نظمته مجلة الاقتصاد والنقل في مركز رضا سعيد للمؤتمرات في جامعة دمشق, وتحدث المحاضر عن الخطة الخمسية العاشرة ووصفها بـ«خطة تحول مجتمعي شامل» من اقتصاد شبه مغلق, مخطط مركزياً, ضائع الهوية, ويصعب توصيفه باقتصاد واضح المعالم والهوية, إلى اقتصاد مندمج في الاقتصاد العالمي, ويعتمد على التنافسية وليس الريع, ؛ خطة ليست «خطة مدخلات» أو «خطة مالية».
إلى هنا الوعود ممتازة, لأننا لغاية الآن, لا نعرف المعالم الواضحة لاقتصاد السوق, ولا هويته, ولا كيف سيكون مندمجاً في الاقتصاد العالمي ويعتمد على التنافسية, وفي الوقت ذاته اجتماعياً, لا يتخلى عن دعم الفقير لله, المواطن السوري «المجنط», بدليل إعلان الدردري عن تحرير قطاع الاتصالات قبل نهاية العام الحالي, ومن ثم تحرير قطاع الطاقة, وبما أن فهمنا للاقتصاد متواضع بتواضع العلوم التي تلقيناها في مدارسنا وجامعاتنا, نظن وبعض الظن إثم أن فواتير الهاتف والكهرباء ستخضع لمعايير التنافس «على قد لحافك مد رجليك».

كحال الوليد بن يزيد عندما سئل: ما بقي من لذاتك؟
فقال: محادثة الأخوان في الليالي القمر على الكثبان العفر.
ومواطننا على هذه الحال, لن ينقصه من تلك اللذات سوى محادثة الأخوان, لأن حكمة وزارة اتصالاتنا تجعل «السكوت من ذهب», والليالي القمر عائدة لا محالة على جناح اقتصاد السوق, أما الكثبان العفر فما أحلاها وأهناها في ربوعنا الآيلة إلى التصحر.
بعيداً عن نذير الوعود, نقرأ في تفاصيل الخبر توضيحاً للدكتور الدردري يقول فيه: إنه دون إصلاح إداري وسياسة الحكم الرشيد إضافة لتبني حقوق الإنسان التي تعني حقوق الطفولة والمرأة والتعلم والصحة ومياه الشرب والصرف الصحي!! وليس التظاهر والأحزاب!! لا نستطيع أن نحقق تنمية مستدامة, لأن الحقوق المذكورة حق للمواطن, وهي ما تبنى عليه التنمية. وفي هذه الخطة وضعنا أدوات ليستطيع المواطن, أو من يمثله أن يسأل الحكومة, لماذا لم تنفذوا هذا الموضوع أو ذاك».

أيضاً وبسبب معاناتنا من سوء ظن, ليس من حسن الفطن, وصلتنا رسالة مما نقلته «سانا» عن الدكتور الدردري مفادها: للمواطن السوري كل الحق في التعلم كي يتمكن من قراءة القرارات والأحكام والمراسيم والفواتير, كما يحق له التداوي وإن لم تسعه مستشفيات الدولة, المستشفيات الخاصة له بالمرصاد, وإن لم يستطع إليها سبيلاً, فعيادات الطب البديل والعطارين رحمة من رب العالمين. كما يحق للسوري كل الحق حرية الأكل والتغوط, وثمة خطة بأن يصبح لكل مواطن مطعم ودورة مياه مأجورة, ومطرب شعبي هدية لفتح الشهية, وللمرأة والطفل عروض تشجيعية خصوصا من مدن ملاه والعاب لتنفيس الطاقات الزائدة عند الأطفال ونواد رياضية للرشاقة واللياقة, كي تبقى المرأة على قيد الأنوثة المضادة للعنف.

السوري الايجابي هو الذي يقتنع بأن تلك هي حقوقه, الواجب عليه المطالبة بها وسؤال الحكومة عنها, هو السوري النجيب الذي يجنب نفسه مغبة السياسة ورعونة الأحزاب, فهي من حقوق الآلهة لا البشر.
وليعطنا الدكتور الدردري الأمان قبل أن نتجرأ على السؤال: كيف يتم الإصلاح وتستقيم التنمية, وكيف يكون «المواطن سيداً والحكومة خادماً لمصالحه ومصالح الدولة» كما تفضلت, دون ديمقراطية ودون حريات وتعددية سياسية؟ وكيف تستقيم مراقبة الحكومة دون أحزاب تكون حاملاً لإعلام حر تحت سقف قانون عادل ينفذه قضاء نزيه؟
للأسف كل ما ذكرته من حقوق حول العلم والشرب والصرف الصحي أساسيات الحياة التي انتهكتها دورات الفساد اللانهائية, حتى أصبحت من مفقودات الوطن والمواطن. فصحَّ علينا قول الشاعر أبي حفص العروضي:
ولقد رجونا أن ننال بعدلكم
رفداً يكون على الزمان معينا
فالآن نقنع بالسلامة منكم
لا تأخذوا منا ولا تعطونــا

الخبر الثاني:
حول محاضرة ألقاها عضو القيادة القطرية رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام هيثم سطايحي في منبر الشباب الفكري الأول الذي أقامه اتحاد شبيبة الثورة تحت عنوان «المواطنة الفاعلة» قال فيها: «إن المواطنة الفاعلة لا يمكن فصلها عن الديمقراطية, وأي حديث عن الديمقراطية هو بالتأكيد تفعيل للمواطنة ومشاركة في بناء أسس المجتمع!!». علامات تعجب يجوز هنا وضعها ليس استغرباً لكلام الدكتور سطايحي, وإنما لنشرها في ذات الصفحة مع تصريحات الدكتور الدردري, مع التنويه إلى عدم جواز وضعها في حال كان مفهوم المواطنة الفاعلة مقتصراً على المنضوين تحت جناح حزب البعث فقط, استناداً الى رؤية الدكتور السطايحي لمنبر الشباب الفكري بأنه: «يأتي انسجاماً مع توجهات المؤتمر القطري العاشر الذي أكد ضرورة إيجاد منتديات للبعث».

ومن زاوية رؤيتنا الضيقة جداً لما بين سطور التقريرين, هل نفهم أن ما يجوز قوله حول المواطنة والديموقراطية في منتديات البعث الخاصة , لا يجوز قوله في منتديات سواد العامة؟!
خبر على الهامش, في الصفحة ذاتها:
الجو بين الصحو والغائم
لا تزال البلاد تحت تأثير امتداد ضعيف للمنخفض الموسمي الهندي في الطبقات السطحية يترافق بتيارات جنوبية غربية

مصادر
الكفاح العربي(لبنان)