منذ أحداث الحادي عشر من أيلول والمنطقة تعيش على إيقاعين رتيبين: الأول يلامس الضغط الأمريكي بكل ما يحمله من مشاريع "ثقافية" أو "سياسية". والثاني يدخل في عمق "الإرهاب" أو ما يطلق عليه البعض "التطرف". وأصبح الهاجس العام هو إيجاد أجوبة على السؤال الأمريكي: "لماذا يكرهوننا"، وتقديم براءة ذمة من "الإرهاب"، بينما يتسرب التطرف إلى عمق حياتنا.

هذا التكوين الذي لف سورية والشرق الأوسط إجمالا تتم استعادته كل يوم، عبر سيناريو أمريكي طويل، يشبه إلى حد بعيد الصور الافتراضية لاستوديوهات هوليود. وضاع السمت الاستراتيجي للنخب السياسية والثقافية، ولمعظم التيارات التي لم تعد تستطيع إيجاد آليات عما اعتادت عليه منذ الحرب الباردة وحتى اليوم.
فهل حقا تشكو الولايات المتحدة من التطرف في الشرق الأوسط؟ وهل نحن مضطرون لطرح براءتنا كل يوم والإجابة عن سؤال "لماذا يكرهوننا؟"

ربما بالعودة قليلا إلى الوراء نجد أنه من الصعب فصل ما حدث بعد أحداث أيلول عن الوقائع التي استمرت منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. فالحراك السياسي والثقافي بقي مرهونا بالمسافة التي تربطنا مع الآخر. وعصر النهضة العربية إجمالا كان محاولة مقارنة بين وضعيتين.

وإذا كان الوعي الإنساني بالأساس هو وعي مقارن، لكننا مارسنا التطرف في هذه المقارنة استنادا لسلم القيم الذي يحكمنا منذ نشوء تراثنا. فهناك أضداد تحكم نظرتنا ما بين: "الكفر والإيمان" و "الجاهلية والإسلام" وصولا إلى "اليمين واليسار" و "الوطنية والخيانة"

هذا السلم قادنا لقياس مساحة ما نريده على الآخر بدء من "النهضة الأوروبية" ثم "العالم الجديد" و "الثورة الشيوعية" وغيرها من الاستقطابات.

ولا يقتصر هذا الأمر على القياس نحو الآخر في الخارج، فما تطرحه المعارضة اليوم على سبيل المثال اليوم يقاس إلى "السلطة" وهو المصطلح البديل للدولة في قاموس المعارضة؛ وبشكل يبدو أن المعارضة تنتظر مقاربة لحلولها مع ما تقوم به الدولة، بغض النظر عن العلاقة التبادلية التي تفرضها طبيعة العصر بين الدولة وأي تيار سياسي.

إننا الآن امام عرض هوليودي لأزمة في حياتنا تبع من داخلنا، وربما يستمر هذا العرض طالما بقيت برامجنا تقاس على "الآخر" ...