منذ عدة اعوام والمطالبة بالحوار ترتفع وتتجدد داخل الخطابين السياسي والثقافي في سورية، ويبدو ان الحوار سيصم المرحلة الحالية بعنوانه لأنه متوفر داخل كافة التيارات أو المدارس والمذاهب. لكن المسألة الأساسية في ضرورة الحوار وآلياته غائبة، لأن الحوار يتم على مشروع، وهو ليس هدفا بحد ذاته.

المعارضة السورية تطالب بالحوار، في وقت لا يعرف معظم النخب الثقافية أي مشروع واضح لها، ومجلس الشعب السوري طرح الحوار، علما انه كمجلس من بديهيات عمله الحوار، والحكومة تحدثت عن الحوار بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، علما بان مفهوم الحوار بين هذين الجهتين له تفسير خاص، لأن السلطة التشريعية هي رقابية بالدرجة الأولى.

"الحوار" ربما يظهر في أبحاث قادمة من خلال "تحليل المحتوى" للخطاب السوري اليوم. وهذا الأمر ربما يتطلب جهودا، لكننا اليوم نملك بعض المؤشرات حول التعامل مع هذا المصطلح على صيغة "جنات عدن"، التي وعد المتقون بها. وهو هنا الجنة التي يبشر بها الخطاب السوري مجتمعا مازال تكوينه العام ابويا.

- المؤشر الأول في التعامل مع الحوار هو انه آلية يتم بها الوصول إلى مقترحات وحلول، وبهذا الشكل فإن بعض اطراف المعارضة السورية طرحت هذا المفهوم. لكن هذه الآلية لا تملك المنتج المادي الذي من المفترض ان يتعامل مع الحوار. فالتشكيلات المعارضة بشكل عام متفقة على أفكار وليس على مشاريع .. وهي تطرح مفاهيم وليس برامج لترجمة هذه المفاهيم .. وربما تقع بنفس المطب الذي سارت عليه "النهضة" في بداية القرن العشرين، عندما استمدت مفاهيم غربية لكنها طبقتها دون حالة مؤسساتية واضحة داخل المجتمع. فالمشروع هنا لا يتعامل في مفاهيمه مع مجتمع وثقافة اجتماعية، بل مع إجراء سياسي.

- المؤشر الثاني هو ان الحوار الذي يسبق منطقيا أي إجراء أو تثبيت قناعات، يظهر في كثير من الأحيان على انه القناعة الأساسية التي يخضع لها الإجراء السياسي. فهو مبني على تكوين سياسي مسبق وليس لأي غرض بحثي.

الحوار مطلب بالتأكيد .. ولكن ليقدم كل طرف من اطرافه مشروعه ليظهر الحوار .. المشروع الذي يرسم صورة ما يجب ان يكون وأساليب التعامل مع أي تبديل .. فالحوار لا يكفي ان يتم على "مفاهيم" مجردة .. إنما على إسقاط المفاهيم على واقع اجتماعي وثقافي محدد.