في الوقت الذي يعلو فيه صوت المعارضة السورية ومنظمات حقوق الإنسان انتقاداً لما تسميه قمع السلطات للنشاط السياسي المعارض، والتضييق على الحريات، وزج العديد من النشطاء في السجون، وإغلاق منتدى جمال الأتاسي بشكل نهائي، يبدو أن لدى الحكومة السورية برنامجاً آخر قوامه الإصلاح الاقتصادي والإداري الذي سيقود البلاد ـ حسب اعتقادها ـ إلى شاطئ الأمان في ظل تصاعد المخاطر التي تهدد الاقتصاد السوري.

وكان لافتاً من الأرقام التي تضمنها التقرير الاقتصادي لمؤتمر حزب البعث الحاكم الأخير والتي تم تسريبها أخيراً، أن وضع الاقتصاد السوري ليس على ما يرام، وأن الأرقام الحكومية المتفائلة التي أعلنها رئيس الوزراء ناجي العطري أخيراً غير دقيقة.

وقد عبر الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من حديث صحافي عن الهاجس الاقتصادي والمعيشي الذي يطغى على الهاجس السياسي، الذي يبدو ملفاً مؤجلاً في الوقت الراهن إلى حين تحقيق الإصلاح الاقتصادي الكفيل بوضع سوريا على سكة الأمان خلال السنوات المقبلة بعد انتهاء مخزونات النفط.

وخير من عبر عن هذه الفكرة في الآونة الأخيرة نائب رئيس مجلس الوزراء عبد الله الدردري، الذي قال في ندوة أول من أمس إن حقوق الإنسان تعني تأمين قوته واحتياجاته، وليس التظاهر وتأسيس الأحزاب فقط.ويطمح الدردري، بوصفه المخطط الاقتصادي الأول في سوريا الآن، إلى أن تقوم الخطة الخمسية العاشرة، التي تجري مناقشتها هذه الأيام، بتحقيق «تحول مجتمعي شامل وتحول جذرى في الاقتصاد ليصبح اقتصادا أكثر انفتاحاً واندماجا في الاقتصاد العالمي».

ويؤكد الدردري «أن التصورات التفصيلية والكلية للخطة واضحة ومعروفة إضافة لكيفيات تحقيقها وآلياتها والوسائل الكفيلة بتطبيقها، وصولا إلى أهدافها المرسومة». ويرى وجود «تغييرات جذرية يجري العمل بها حالياً لتطول السياسات المالية وتطوير قانون العقود والتشريعات السورية على كل الصعد وسياسة الإنفاق وإلى مشاركة أكثر من 3000 شخص في وضعها يمثلون المؤسسات العامة والخاصة وهيئات المجتمع المحلي والأهلي مما سيساعد على تنفيذها بنجاح».

وهذا لا يعني تراجع دور الحكومة، بل على العكس، إذ يؤكد الدردري «أن دور الحكومة سيكون واضحا ومؤثراً وقوياً في المرحلة المقبلة، ذلك أن أي اقتصاد قوي يتطلب حكومة قوية تشرف على إدارة ومراقبة اقتصاد السوق الاجتماعي وتوفير مستلزمات تنفيذه إلى جانب البرنامج الوطني للحد من الفقر». غير أنه يشير أيضاً إلى «دور القطاع الخاص في المساهمة بالمشاريع الإنمائية وفى زيادة إيرادات الدولة التي تركز على المشاريع ذات الجدوى الاقتصادية والاستراتيجية».

وسبق للرئيس الأسد أن أعلن فشل المشروع الفرنسي للإصلاح الإداري الذي تقدمت به باريس العام الماضي، وهو ما جعل الدردري يشير إلى أهمية « تحقيق الإصلاح الإداري المطلوب، والذي يعنى تغييراً جذرياً في مؤسسات وقطاعات الدولة والقطاع الخاص وإيجاد نظام من شأنه خدمة المصلحة العامة».

وتتلخص وجهة نظر الدردري التنموية بضرورة أن تكون «أعباء التنمية مسؤولية الجميع».كما أن الخطة الخمسية العاشرة ركزت على قطاعي التعليم والصحة إلى جانب الاستثمار في الموارد البشرية والصناعة التحويلية لتضع سوريا على طريق جديدة وتحديات جديدة ولكنها فرص جديدة تتمثل في رفع مستوى المعيشة والدخل وصولا إلى تنمية مستدامة.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)