صاغت المعارضة السورية منذ احتلال العراق شكلا يحاول استقراء التجربة العراقية في مسألة المعارضة .. حيث وضعت خطابها وفق عنوان أساسي يحاول رفض النتائج المترتبة عن حرب العراق، وبشكل يقارب ما بين التجربتين السورية والعراقية! وبالطبع فإن السؤال هنا لا يتعلق بنسب التشابه في الأشكال أو الآليات أو حتى الأفكار التي تحكم العراق وسورية، وهي تنظيرات تعامل معها الكتاب بشكل مفصل منذ ظهور قانون تحرير العراق. لكن الأمر يرتبط بالفعل في آليات التفكير المستقبلي، بغض النظر عن طبيعة الظرف الذي حكم المنطقة في السنوات الأخيرة.

المعارضة السورية اليوم، على الأقل كما تظهر في البيانات والتصريحات، تتبنى مطالب محددة تلغي إلى حد كبير أشكال التمايز بينها. والمعارضة السورية اليوم تمتاز بأنها وليدة سياق محدد، صاغ عناوينها العريضة، فالمحيط الجغرافي والبيئة الدولية حكمت إلى حد كبير إعادة إنتاج خطابها. فهي لم تعد مغرمة بالعمليات الاجتماعية الداخلية، او بتحليل وتفسير الظاهر. إنما تحاول دائما تفسير آليات الدولة على قاعدة مطالبها.

ربما يكون من حق المعارضة استكمال مجالها الجديد عبر الاستفادة من "السياق" الذي توفره الثقافة السائدة، لكن هناك مجموعة من الأسئلة تفرض نفسها في ظل العلاقة الجدلية ما بين الدولة المعارضة، على الأخص أن نشاطها الحالي يعتمد اساسا على ما توفره الدولة من معطيات، وليس وفق برنامج يستند في مشروعيته من عمليات البحث، سواء داخل كوادر المعارضة، او على الصعيد الاجتماعي العام.

المعارضة تبحث عن مشروعيتها عمليا داخل مشروع الدولة نفسها، مستفيدة من "الإصلاح"، فهي إما منتقدة للإصلاح، أو تقوم بالتنظير لآلياته، او تعمل ضمن مجاله. لكن هذا الإصلاح بذاته لم يكن مشروع المعارضة بل مشروع الدولة. و"إصلاح" المعارضة ربما يكون من أولويات ما يجب ان يناقش، على الأخص أن الساحة السياسية السورية، تحتاج لقراءة جغرافيتها السياسية بعد اكثر من أربعة عقود على إنهاء الحالة "الليبرالية" والدخول في "التحول الاشتراكي".

إصلاح المعارضة ليست مسؤولية أحزاب فقدت امتدادها داخل الساحة الاجتماعية، وليس وظيفة نخب ثقافية تقود المعارضة عبر المنابر الإعلامية، إنه مسألة الخروج من المعارضة وفق الصيغة "التراثية"، التي تقسم البلد إلى لونين، وفي وقت أصبح مفهوم "المعارضة" اجتماعيا متشابك إلى حد كبير مع التكوين الاجتماعي والمصالح داخل أفراد المجتمع.

ربما تكون المعارضة السورية مسلحة بالعديد من المبررات لفقدانها التعامل كتيار، او قدرتها على صياغة مفاهيم معاصرة، او تحديد مصطلحاتها وأولوياتها. لكنها كـ"معارضة" تحتاج لأكثر من وقت مضى إلى إعادة فهم نفسها وموقعها الاجتماعي، قبل ان تطرح نفسها في سياق أي مشروع يخص سورية المستقبل.

مصادر
سورية الغد (دمشق)