مع عودة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله والوفد المرافق له من طهران، ستكون الشهية مفتوحة على محاولة تعقب ما يمكن تعقبه من نتائج الزيارة ودلالاتها الإيرانية واللبنانية والإقليمية، خاصة وأنها تزامنت مع مجموعة تطورات، أبرزها عملية التسليم والتسلم على مستوى الرئاسة الإيرانية بين رئيس معتدل وبين رئيس محافظ سيحكم ايران في ادق مرحلة تمر بها المنطقة منذ عقود طويلة.

كما أنها تزامنت مع إعلان ايران انها ماضية في برامجها لتخصيب اليورانيوم ومع صفحة دموية جديدة في العراق ذهب ضحيتها في غضون ثلاثة ايام 26 قتيلا اميركيا، وهو رقم قياسي غير مسبوق منذ اندلاع الحرب قبل اكثر من سنتين.كما حصلت الزيارة عشية المرحلة الجديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مع قرب موعد الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة،

فضلا عن التوقيت اللبناني للزيارة، غداة الانتخابات النيابية ونجاح «حزب الله» في تحقيق فوز كاسح شيعيا، جعله حزب الشيعة الأول بامتياز، ولو أنه حجز مقعدا لنبيه بري في رئاسة المجلس النيابي وبحصة لم يكن يحلم بها ايضا في مقاعد الندوة النيابية.

وقد سبق الزيارة قرار نوعي لـ «حزب الله» بالمشاركة السياسية المباشرة في الحكومة اللبنانية التي انبثقت عن الانتخابات التشريعية برئاسة فؤاد السنيورة، حيث تمثل بوزيرين، أحدهما هو رمز قيادي كبير في الحزب هو النائب محمد فنيش، وهي الخطوة التي أثارت تحفظات أميركية، فيما كان الأوروبيون يرحبون بها على قاعدة تشجيعهم الحزب الى المزيد من الخطوات الاندماجية في الحياة السياسية اللبنانية.

ومن المفيد أيضا التوقف عند مضامين الكلام السياسي الذي أطلق في اثناء الزيارة ولا سيما الكلام الذي صدر عن مرشد الجمهورية الايرانية أية الله علي الخامنئي، عندما اشاد بمهارة حزب الله القتالية في المقاومة «وكذلك مهارته على الصعيد السياسي»، في اشارة ضمنية الى تشجيع إيراني لقرار حزب الله القاضي بالمشاركة في الحكومة، للمرة الأولى منذ مشاركته في الانتخابات النيابية قبل 13 عاما.

وأعطى خامنئي إشارات الى ان المشاركة وقبلها الفوز الساحق في الانتخابات يعتبر هزيمة للمشروع الأميركي كما هي حال نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية ومجريات الوضع العراقي وكذلك الفلسطيني حيث كان لافتا للانتباه تولي نصر الله بعد اللقاء مع الرئيس محمد خاتمي مهمة التصريح بأن الانسحاب الاسرائيلي المرتقب من غزة هو النصر الثاني للمقاومة خلال خمس سنوات، اي أن حزب الله وإيران شريكان في النصر.

ولعل العنصر الأبرز في المحادثات بين وفد حزب الله والقيادة الإيرانية، هو المتصل بالقرار الدولي الرقم 1559 واستراتيجية الجانبين في مواجهته، بالتناغم مع أوسع مروحة من القوى المعترضة لبنانيا واقليميا ودوليا، خاصة في ضوء المناخات الأوروبية التي تتطور تدريجيا، على قاعدة الإقرار بأن مندرجات القرار الدولي غير المتصل بالانسحاب السوري يمكن جعلها جزءا من جدول اعمال اللبنانيين بعيدا عن اي ضغط خارجي قد يؤثر سلبا على المعادلة الداخلية اللبنانية الجديدة.

وشاء الكثيرون أم ابوا، فإن موضوع سلاح حزب الله مرتبط بشكل او بآخر، بما سيؤول اليه الحوار الإيراني ـ الأوروبي أو الإيراني ـ الأميركي غير المباشر في الملف النووي والملفات الإقليمية، وخاصة الملف العراقي. وهناك شبه قناعة عند الكثير من قيادات حزب الله في لبنان، بأن السلطة الإيرانية أصبحت تحمل هوية سياسية واحدة يصنفها الغرب بـ «المتشددة».

وإذا صح هذا التوصيف، فإن هذا الفريق يملك فرصة حقيقية لصياغة تسوية ثابتة وراسخة ومستديمة مع الغرب، وهي تسوية كان يعجز الفريق المعتدل عن صياغتها بسبب خوفه من المتشددين، وبالتالي من انعكاسها سلبا على دوره في السلطة، ولعل ذلك بين الأسباب التي أدت الى فشل التيار الإصلاحي في الانتخابات وتقدم فريق المتشددين الذي مثله الرئيس الإيراني الجديد محمود احمدي نجاد.

ويقول قيادي لبناني عائد من واشنطن انه استنتج في ضوء سلسلة لقاءات أجراها هناك، أن الأميركيين كانوا مهتمين بمتابعة كل المعلومات المتصلة بالزيارة كما ان عدداً من المراكز والدوائر الأميركية أجرت اتصالات بإعلاميين وباحثين وأكاديميين في محاولة للحصول على أكبر قدر من المعلومات والتقديرات حول نتائج زيارة نصرالله والوفد المرافق الى طهران.

وقد تبين لهذا القيادي اللبناني أن الأميركيين يهتمون بصورة محددة بموضوع قدرات حزب الله الصاروخية، وهم يعلمون أن مسألة السلاح الفردي والمتوسط لن تكون مشكلة في لبنان لا اليوم ولا في المستقبل ولا توجد قوة في لبنان الا وتملك قوة نارية من هذا النوع، الا ان حزب الله يشكل خطراً بالدرجة الأولى على إسرائيل،

من خلال قدرته الصاروخية النوعية، والتي تجري محاولات استخباراتية وأمنية بالتنسيق مع أجهزة أمنية إقليمية من أجل رصدها بدقة، خاصة في ضوء التهديدات التي أطلقها نصرالله في الآونة الأخيرة وأعلن خلالها أن الحزب يملك ترسانة من نحو 12 ألف صاروخ على الأقل، تاركا لمخيلة الإسرائيليين ان تقدر الأرقام والنوعيات وكل التفاصيل التقنية.

في هذا السياق، يمكن التوقف، أمام التقرير الأول من نوعه، الذي ينشر في إسرائيل، والصادر عن لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، وذلك تحت عنوان «حجم تهديد الصواريخ على إسرائيل»، ويكشف التقرير أن إسرئيل تتعرض لتهديد ألف صاروخ بعيد المدى من كل من إيران وسوريا والسعودية ومصر )«شهاب 1 و2 و3 و«بي »3 الإيرانية و«اس اس 21»

و«سكود بي» و«سكود سي» و«سكود دي» السورية و«اف دي» السعودية و«سكود بي» و«سكود سي» المصرية(، يمكنها أن تلقي معا نحو 500 طن من المواد المتفجرة على كل نقطة في إسرائيل، وأن تهديداً صاروخياً من هذا النوع يساوي في قيمته الهجومية نحو 120 طائرة قتالية في الوقت نفسه.

واللافت للانتباه في التقرير أن حزب الله وحده يملك ترسانة تشمل 12 ألف صاروخ تهدد إسرائيل بسبب المدى الناري القصير، وتشمل صواريخ تحمل على الكتف وكاتيوشا (122 ميليمتر ويصل مداها الناري الى حدود 12 كيلومترا) و«فجر 3» الذي يبلغ مداه 45 كيلومتراً و«فجر 5» الذي يبلغ مداه 75 كيلومتراً، أي يمكنهما أن يصيبا العمق الإسرائيلي، وهذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها إسرائيل رسميا عن طبيعة ترسانة حزب الله الصاروخية.

وإذا كانت إسرائيل لا تلغي من حسابها ترسانة سوريا والسعودية ومصر، فإن عينها مفتوحة على الجهود التي تبذلها إيران لنيل القدرة النووية، وكذلك احتمال أن يكون حزب الله قد طور الصواريخ الإيرانية التي حصل عليها بواسطة خبراته وخبرات بعض الأوروبيين الشرقيين وكذلك الإيرانيين.

وثمة من يتحدث، ومنهم القيادي اللبناني العائد من واشنطن، عن أن الاسرائيليين والأميركيين شبه مقتنعين أن الحزب صار يملك رؤوساً جرثومية وربما بعض الرؤوس المطورة ذات القدرة التدميرية، وهنا جوهر القرار 1559، يقول القيادي نفسه.وإذا كان حزب الله قد أطلق موقفاً نفسياً إعلامياً حول قدرته الصاروخية، فإن الإسرائيليين لا يتوجسون أبدا من السلاح الفردي، ولا من بعض المواقع والقواعد القتالية الحدودية لحزب الله،

لا بل يمكن اعتبارها ضمانة، حيث لم تشهد الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية هدوءاً كالذي تشهده هذه الأيام، إلا أن العين الإسرائيلية تتطلع الى أبعد من ذلك، الى حيث يمكن أن يشكل الضغط الدولي على لبنان مدخلا لانتاج معادلة تجعل حزب الله يحتفظ بكل سلاحه إلا الصواريخ بعيدة المدى،

لكن المصيبة أن بعض للبنانيين يعتقدون بإمكان الوصول الى هذا الهدف ولا يدركون ان حزب الله مستعد لتسليم كل سلاحه، ما عدا الأسلحة الصاروخية، التي سيبقيها، الى اللحظة التي لا يبدو معها أن هناك خطرا إسرائيليا محتملا على لبنان، وهو أمر يبدو بعيد المنال في المديين القريب والبعيد.

قبل وصول أحمدي نجاد الى السلطة في إيران، كانت علاقة حزب الله مرتبطة مباشرة بالمرجعية السياسية والدينية للحزب أي أية الله خامنئي ونسبيا بالموقع الرئاسي، وطالما كان يفضل المرور عبر الخط العسكري الذي يوصله مباشرة الى حرس الثورة. أما الآن، فإن منحى جديدا ستتخذه العلاقة، في ظل حسم المرجعية لمصلحة الفريق المتشدد الذي يحلو للحزب ان يتعامل معه وتكون اللغة عادة أسهل بين الجانبين.

وربما يكون كذلك الأمر في مرحلة فتح الخطوط مع الغرب، وربما ينبغي في هذا الإطار محاولة معرفة علاقة لقاء وزير العمل طراد حمادة المقرب من الحزب مؤخرا بالمسؤولة الأميركية اليزابيت ديبل في واشنطن وذلك في أول حوار بين الحزب والإدارة الاميركية منذ ولادة الحزب قبل عشرين عاما.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)