مع استمرار الحرب الميدانية في العراق، كان هناك الكثير من الحديث الدائر حول تدريب الجيش العراقي، جدول انسحاب القوات الأمريكية والوضع الأمني الداخلي في البلاد، لكن ما يحدث في المجاورة سوريا قد يحدد مستقبل العراق.

الجنرال جورج كاسي قائد الجيش الأمريكي في العراق صرح مؤخراً أن "المتمردين يقومون بنشاطهم انطلاقاً من سوريا ويتمتعون فيها بالحصانة"، ويحصلون منها على الدعم المادي والإرشاد. ومؤخراً ربطت وزارة الخزينة الأمريكية بين نشاط أربعة من أبناء أخوة صدام، والذين يعملون انطلاقاً من سوريا، بحركة التمرد.

رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري حث إدارة بوش على رفع وتيرة الضغط على سوريا، وفي الأشهر الأخيرة كانت القوات الأمريكية تعمل بالقرب من الحدود السورية العراقية في محاولة منها لضرب قواعد النشاط الإرهابي.

من المستحيل أن نحدد في الوقت الحالي بالضبط مدى أهمية سوريا بالنسبة للإرهابيين الناشطين في العراق. لكن التاريخ يعلمنا أن القواعد الخارجية التي يمكن الانطلاق منها تمثل عاملاً حيوياً وهاماً. الأرشيف السوفييتي يظهر أن الملاجئ الموجودة في كمبوديا "المحايدة" ولاوس كانت في غاية الأهمية بالنسبة للفيتناميين الشماليين. وخلال الثمانينات كانت الباكستان قاعدة هامة لعمليات الأفغان الذين حاربوا الاحتلال السوفيتي. وسوريا، على أقل تقدير، تشكل المكان المناسب الذي يمكن فيه تشكيل الخلايا الإرهابية والحصول على التمويل والإمدادات والاستراحة بعد تنفيذ الهجمات.

اتخذت إدارة بوش فعلاً بعض الخطوات من أجل تشديد الضغط على دمشق، فقد قامت بتجميد الأصول الخارجية لمسؤولين مرموقين في الجيش والمخابرات، وفرضت عقوبات اقتصادية، لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية.

لذلك يجب التركيز على قطاع النفط والغاز الحيوي بالنسبة لسوريا. يشكل إنتاج الطاقة 50% من إجمالي الموازنة العامة للدولة، و70% من الصادرات، وهناك الكثير من شركات النفط الأمريكية التي تعمل على إبقاء قطاع الطاقة السوري في حالة نشاط: كونوكو فيليبس، شيفرون، تكساكو، وإوكسيدنتال، وكلها تقدم للسوريين الخبرات والمعدات الضرورية.

عقوبات الرئيس بوش على الرغم من كونها مساعدة إلا أنها ليست فعالة، فجميع هذه الشركات ما تزال قادرة على الاستثمار في قطاع الطاقة السوري وكل ما عليها عمله هو أن تتعاقد مع مورد غير أمريكي في حال أرادت استبدال قطع الغيار.

إلى جانب ذلك هناك العديد من البلدان الأوربية والآسيوية التي تساعد على ازدهار قطاع الطاقة السوري. حتى مع الدعم الخارجي فإن إنتاج الطاقة في سوريا يتراجع، ولكن لولا هذا الدعم لكان القطاع قد انهار.

الآن كيف نضيق الخناق على سوريا؟ الرئيس ريغان كان قد واجه موقفاً مشابهاً عام 1982، فقد كان مصمماً على منع إنشاء خط أنابيب لإيصال الغاز الطبيعي من الشرق الشيوعي إلى أوربا الغربية، لذلك فرض عقوبات على أي شركة نفط أمريكية تشارك في هذا المشروع. لكن سرعان ما قوض الحلفاء الأوربيون جهوده وتجاوزوا العقوبات عن طريق السماح لشركاتهم الخاصة بالحلول مكان الشركاء الأمريكيين. لكن هذا لم يثن ريغان عن عزمه.

ماذا كان رد فعل ريغان؟ بموجب قانون الرقابة على الصادرات أعلن أنه سيمدد العقوبات بحيث تشمل أي شركة أجنبية تستخدم تكنولوجيا ذات ترخيص أمريكي. على سبيل المثال إذا كان هناك شركة فرنسية تستخدم تكنولوجيا بترخيص أمريكي لبناء هذا الأنبوب فإن هذه الشركة لن تستطيع بيع منتجاتها في الأسواق الأمريكية.

شعر القادة الأوربيون بالغضب لكنهم توصلوا إلى تسوية: تراجع ريغان عن قراره، وبمقابل ذلك التزم الأوربيون بتشديد إجراءات القروض، وقلصوا إلى حد كبير حجم مشاريع الغاز الطبيعي، كما شددوا الرقابة على الصادرات من السلع التكنولوجية.

في حال امتنع حلفاؤنا الاوربيون عن تشديد الخناق على سوريا، ففي هذه الحالة يتوجب على الرئيس بوش التفكير في اتخاذ خطوة مماثلة. سوريا بحاجة إلى الدعم التكنولوجي والإداري الدولي من أجل الإبقاء على سير قطاع الطاقة لديها. عدا عن ذلك فإن أي شركة نفط دولية لن تخاطر بتعريض نفسها للاستبعاد من السوق الأمريكية مقابل الحصول على عقد مع الحكومة السورية.

هناك عوامل أخرى يجب أيضاً أن نستخدمها: خط الغاز العربي سوف ينقل كميات هائلة من الغاز الطبيعي إلى سوريا بعد أن يكتمل إنشاؤه خلال السنوات القليلة الماضية. وهناك ايضاً العديد من المشاريع البتروكيماوية الضخمة، مثل مشروع أنشئ مؤخراً جنوب دمشق، هذه المشاريع تعتمد على التمويل من مؤسسات مصرفية دولية، مثل مؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي، وهي ذات أهمية كبيرة بالنسبة للاقتصاد السوري. يجب على إدارة بوش أن تعتمد بقوة على الهيئات المالية الدولية حتى تمتنع عن القيام بالعمل في سوريا (خاصة وأن أحد مصادر تمويل هذه المؤسسات هو أموال دافعي الضرائب الأمريكيين).

إن سوريا تملك القدرة على إضعاف جماعات الإرهاب الناشطة في العراق إلى حد كبير، لكن هل تملك الإرادة لعمل [1]

مصادر
سيريا نيوز (سوريا)

[1ذلك؟عضو باحث في معهد هوفر وصاحب كتاب سيصدر قريباً بعنوان "افعل ما أقوله لكن لا تفعل ما أفعله"