قبل أيام فقط، كانت صحيفة "يديعوت احرنوت" الاسرائيلية تهاجم الدول العربية لانها لا تقوم بالتصدي لما اسمته بـ (بثقافة الكراهية والارهاب والتطرف الاسلامي). ولا ندري بماذا ستعلق هذه الصحيفة على المذبحة التي ارتكبها مستوطن يهودي ضد مدنيين فلسطينيين في حافلة بمدينة شفاعمرو. بالتأكيد سيقال للعالم بأنه "حادث أمني معزول"، او اننا سنسمع أوصافاً لمرتكبه بالجنون، كما حدث مع مشعل حريق المسجد الاقصى، او مرتكب مجزرة المصلين في الحرم الابراهيمي بالخليل.

كما اننا لا نتوقع تعليقات من السياسيين الامريكيين او معلقي الصحف، تصف الامر بانه ظاهرة لـ "اصولية يهودية" او "ارهاب يهودي" الى آخر ما كيل من مكاييل عن الاصولية والتطرف الاسلامي، عندما الحق العمل الارهابي لتنظيمات سياسية اسلامية بالدين الاسلامي نفسه، والى درجة تمت الدعوة فيها الى رفع شعار تغيير الثقافة وحتى تغيير الكتب والمناهج والعقول في العالم الاسلامي بزعم انها تولد ثقافة الارهاب.

حادث شفاعمرو الارهابي مناسبة، يفترض ان تستغل من الاعلام العربي، لرد الصاع الصاعين، ولفتح ملف الارهاب الصهيوني، الذي تغض الطرف عنه امريكا ودول الغرب، وتتجاهله، بينما هو في حقيقة الامر، اقدم و»اعرق صنوف الارهاب« في الشرق الاوسط. بل ان بعض الباحثين يرجعون احد اسباب ظهور الاصولية الاسلامية، في بداية القرن الماضي، الى ظهور الحركة الصهيونية وقدومها الى فلسطين مدّعية حمل ارادة الهية باقامة دولة اسرائيل واستعادة ارض السمن والعسل وبناء هيكل سليمان.

ماذا يمكن ان يقال عن احزاب ومدارس وعقائد عسكرية ودينية وسياسية في اسرائيل تقوم على ثقافة طرد الفلسطينيين، والاستيلاء على وطنهم تطبيقاً لتعاليم دينية قبل الاف السنين، ولقد شاهدت وسمعت بام عيني واذني، على شاشة التلفزيون الاسرائيلي،مستوطناً، قادما من الولايات المتحدة، يقول من اراضي الضفة الغربية المحتلة: هذه ارض اعطانا اياها الرب.

ما هي ثقافة التطرف والاصولية والعنف ان لم تكن مثل هذه الثقافة التي تدرس لملايين من »اليهود« الذين ينتمون لشعوب العالم باختلاف اعراقها ومواقعها، ثقافة تستند الى منابع مغرقة في الاصولية والتطرف ومعاداة الآخر واستباحة جميع حقوقه، فالفلسطيني استبيح في ارضه ووطنه وحتى حقوقه واملاكه الشخصية، من منزله الى الشارع الذي يسير عليه الى شجرة الزيتون التي ورثها اباً عن جد.

من مجازر دير ياسين، وكفر قاسم، وقبية، وممر متلا، ومدرسة بحر البقر، وحرق المسجد الاقصى، وقتل عشرات المصلين في الحرم الابراهيمي، الى مجزرة صبرا وشاتيلا ومخيم جنين، ومئات وآلاف الجرائم، هناك شيء واحد تدل عليه كل هذه السيرة التاريخية للحركة الصهيونية ولاسرائيل، وهي وجود ثقافةبجذور اصولية تبيح القتل واستلاب ارواح وحقوق العرب وتدين بلدانهم وقتل معالم حضارتهم، واذا كان على العالم ان يتصدى بشكل جدي الى ما يسمى بـ (ثقافة الكراهية والارهاب والتطرف) فعليه ان يبدأ (بثقافة اسرائيل) وان يدقق في منشأ احزابها وفي روحها الايديولوجية التي لم تجلب للمنطقة، غير الحروب والقتل والدمار والكراهية المتوالدة كالفطر.

واخيراً هناك ملاحظتان غير ثقافيتين: الاولى: ان حادثة شفاعمرو تركز الاضواء على حقيقة وجود الاف المستوطنين الذين يحملون جميع انواع الاسلحة، برعاية حكومة اسرائيل، بهدف واحد هو قتل الفلسطينيين، وحماية عمليات مصادرة اراضيهم واقامة المستوطنات والطرق والجدار العازل عليها. وان على شارون، قبل ان يطالب الفلسطينيين بنزع اسلحة المقاومة. ان يقوم اولاً بنزع سلاح جيش المستوطنين الارهابي.

الملاحظة الثانية: ان اشد غلاة التطرف، واصحاب ثقافة العنف في اسرائيل، وهم المستوطنون القادمون من الولايات المتحدة. وهناك ترعى الدولة الاكبر والاعظم تفريخ تنظيمات العنف وثقافة الكراهية لارسالها الى فلسطين لتعيث في الارض الفساد، ولا ننسى، ان منظمة كاخ كانت متمركزة في نيويورك وانطلقت منها.

واخيراً، يجب ان يقال للاسرائيليين والامريكيين، لا ترموا الناس بالحجارة وبيوتكم من زجاج، فبينكم ومنكم، خرجت منابع ثقافة التطرف، وهي لا تزال اساس البلاء وسره الدفين.

مصادر
الكفاح (العراق)