قبل ان تنتهي عائلات الشهداء من شفاعمرو من دفن موتاها، كرر قادة مجلس مستوطنات الضفة والقطاع "يشع" تصريحاتهم المعروفة. وكما هو متوقع، تنصلوا من الجندي مرتكب الجريمة، ووصفوه بأنه "عشب ضار"، وطالبوا بالتمييز بينهم، المعتدلون ظاهرياً، وبين "الجنون" الذي بعثه لقتل أبرياء.

ثمة مبرر آخر أضيف الآن إلى ادعاءات التنصل هذه. فهم يقولون ان القاتل كان "تائباً جديداً" وخلافا للمتدينين منذ الولادة، الذين يدركون تعقيدات الشريعة، يميل التائبون الجدد، بحسب كلامهم، لتفسير الشريعة بشكل سطحي ـ متطرف. الحاخامات يسعون الى اقناعنا بأن الامر لا يتعلق فقط بعشب ضار ضعيف العقل والادراك وانما هو ايضا ليس جزءاً صرفا ومختارا من التيار الديني الشوفيني ـ الابن المفضل على الامة.

هذا عرض كاذب للواقع. فما من "تائب جديد" واحد من المعاهد الدينية التابعة لحركة شاس، على سبيل المثال، هاجم حتى اليوم عرباً. كما ان عضوي التنظيم السري اليهودي، باروخ غولدشتاين ويغئال عمير، لم يكونا "مهتديين جديدين"، ولم يعانيا من ثقافة متدنية. كما ان معظم اعضاء حركة "كاخ" و "كاهانا حي"، والغالبية الساحقة من الذين يدفعون اليوم رجال الشرطة والجنود، يبصقون عليهم ويصفونهم بأنهم نازيون، ترعرعوا في المؤسسات التعليمية التي يرأسها حاخامات اليمين الذين يدّعون الورع.

كل هذه "الأعشاب الضارة" التي يعتبرها حاخاماتهم وقادتهم "شبيبة نوعية"، ترعرعت في أحضان الاصولية الدينية القومية المتطرفة التي قامت بشحذ توراة اسرائيل بدعم من الدولة وحولتها الى سيف انتقامي شرير. ان محاولة وصف القتلة على انهم "مهتدون جدد"، وعديمو الادراك تعكس اكثر من أي شيء التعالي العنصري للحاخامات. كل من يعرف خطبهم وتفسيراتهم احادية النظرة والبعد للشريعة لا يستطيع إلا ان يثور في ضوء هذا النفاق البشع.

منذ أكثر من ثلاثين عاما والتحريض يطل برأسه من خلال افواه حاخامات "يشع" في خطبهم الاسبوعية في الكنس وفي دروسهم العامة وفي معاهدهم الدينية الثانوية وفي المعاهد النظامية العسكرية وفي المناسبات وحفلات الزواج والبلوغ. هم حوّلوا طرد وابادة شعوب ارض كنعان المحتلة الى مصدر استلهام عملي حالي، وحولوا اعادة بناء الهيكل المقدس الى هدف يتوجب تجسيده فورا في ايامنا هذه. هؤلاء لا يستطيعون الآن ان يدّعوا الطهارة ونقاء اليدين.

كراهية العرب والحملة عليهم والتطلع الى طردهم "طواعية" من فوق الارض المقدسة لليهود او حتى ابادتهم، هي توجه دائم في كل كتاباتهم وخطبهم، الخطباء ليسوا من عداد الهامشيين او غريبي الاطوار والمرضى. هم بمثابة الركن الأساسي في المستوطنات، ومن يديرون الحوار المنضبط، كما يظهر لأول وهلة، والمشبعون بمحبة اسرائيل وهم الذين يحاورون الشرطة والجيش وكأنهم ليسوا هم الذين قادوا الحشود المحرضة نحو المجابهة العنيفة. القتل في شفا عمرو أوضح بصورة لا يرقي اليها الشك بأنه بلغ السيل الزبى.

حكومة اسرائيل ملزمة ان تبسط القانون الآن على من يضللونها منذ سنين، منظمة كاخ وكهانا حي ومستوطنة تفوح ومراكز النشاط الخطيرة الأخرى ليست شريكا للمفاوضات. يتوجب التعامل معهم، مع الحاخامات، مع الدوائر الخارجية التي تغذيهم بيد قاسية، هذا حق وواجب المجتمع الديموقراطي تجاه من ثار عليه ساعياً لقتله.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)