قرر حزب «البعث» الحاكم في سورية «اعطاء الاولوية» في السنوات الخمس المقبلة لـ»ازالة الشوائب» مع لبنان باتباع اسلوب «الحكمة»، بعدما اشار الى ان اطرافا لبنانية «حاقدة وجاحدة اطلقت سهام الغدر في اتجاه سورية» وبعد «الاعتراف بأن ثمة اخطاء (سورية) تراكمت» في لبنان. وميز «البعث» الحاكم منذ 1963 بين»معارضة وطنية» تقتصر مطالبها على امور سياسية بينها الغاء حالة الطوارئ والمادة الثامنة من الدستور التي تنص على ان الحزب هو «الحاكم للدولة والمجتمع» وبين «معارضة غير وطنية مرتبطة بالخارج» تسعى الى «اثارة الفتن»، الامر الذي يستدعي «مقاومتها وفضح ارتباطاتها».

جاء ذلك في التقرير الرسمي للمؤتمر العاشر لـ»البعث» الذي يقع 159 تلخيصا واقرارا لمسودات التقارير السياسية والتنظمية والاقتصادية التي جرت بين 1200 «بعثي» بين 6 و9 حزيران (يونيو) الماضي.

يبدأ التقرير بتقديم خلفية سياسية عن المرحلة الفاصلة بين مؤتمري «البعث» التاسع الذي عقد في حزيران 2000 والعاشر، وما شهدته المرحلة من»تحولات جذرية» شملت سقوط الاتحاد السوفياتي وحصول احداث 11 ايلول (ٍسبتمبر) العام 2001 بحيث اضحت الولايات المتحدة «القوة الاوحد والاعظم» على الساحة الدولية الى ان تمكن»المحافظون الجدد واصدقاؤهم من انصار اليمين الاسرائيلي من الوصول بهدوء الى المفاصل الرئيسة في المؤسسة الاميركية الحاكمة التي لم يكن ينقصها بعد ادارة كلينتون سوى العثور على العدو الجديد».

واشار التقرير الى ان اميركا استغلت 11 ايلول لتحقيق اهداف عدة في العالم بينها «السيطرة الكاملة على الوطن العربي سياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا ومحاولة تغييرات في الانظمة العربية التي تعارض الرؤية الاميركية لاعادة تشكيل منطقة الشرق الاوسط» و»السيطرة التامة على منابع النفط» و»الالتزام المطلق بامن اسرائيل»، عبر»تعزيز الترسانة العسكرية» وتوفير «الغطاء العقائدي لتسويغ هذه الاهداف بوسيلتين: الحرب على الارهاب و»الفوضى البناءة، أي استخدام شعار نشر الديمقراطية والحرية وسيلة لتغيير الانظمة التي لا تذعن للاستراتيجية الاميركية وابتزاز الانظمة التي تدور في فلك استراتيجيتها».

وعن منعكسات التغييرات الدولية على سورية، تحدث التقرير، الذي يشكل الاطار العام للمواقف الرسمية في المرحلة المقبلة، انه مع «البدء بالتهديد بالعدوان الاميركي المباشر وتصعيد الحملات السياسية واتهام سورية بدعم الارهاب وفتح الحدود امام المتسللين وقيام الولايات المتحدة وفرنسا بالعمل على اصدار القرار الرقم 1559 واستخدام ذلك وسيلة للضغط الاستراتيجي على سورية من الغرب، والعمل على فرض العزلة السياسية على سورية، وتحريض الدول الاوروبية عليها، واجراء اتصالات مع ما يسمى المعارضة السورية في الخارج وتقديم الدعم واالمال واستخدام وسائل الاعلام لزعزعة الوضع الداخلي في سورية تنفيذا لنظرية «الفوضى البناءة» تمهيدا لمحاولة اسقاط النظام الوطني في سورية».

واذ لاحظ التقرير وجود «صعوبات كبيرة» امام المشروع الاميركي، اوضح ان «الاحتلال الاميركي - البريطاني للعراق يشكل حلقة من المخطط الهادف للسيطرة على المنطقة ومقدراتها ولاعادة تشكيلها بما يخدم المصالح الاسرائيلية بالدرجة الاولى» وان «قوى الاحتلال وبعد مرور مرور اكثر من سنتين، تواجه مصاعب اكثر فاكثر مما واجهته في بداية الغزو العسكري»، قبل ان يشير الى ان دمشق «اعلنت اخيرا موافقتها على طلب الحكومة العراقية عودة العلاقات الدبلوماسية مع العراق التي قطعت قبل 25 سنة من النظام السابق، الذي دأب على زرع بذور الشقاق واجهاض أي تقارب بين البلدين ومحاولة زج العراق ودول عربية اخرى في حروب وصراعات كان لها اسوأ العواقب على الوضع العربي».

وبعد هذه العرض العام، يدخل التقرير تفصيلا في علاقة سورية مع كل دولة عربية او اجنبية بما في ذلك لبنان والعراق والسودان وايران والاتحاد الاوروبي وروسيا والصين مع تجاهل العلاقة مع اميركا.

وعن لبنان، يبدأ التقرير بالتشديد على ان اتفاق الطائف تضمن»عدم جعل لبنان مصدر تهديد لامن سورية، وسورية لامن لبنان في أي حال من الاحوال، عليه فان لبنان لا يسمح بان يكون ممرا او مستقرا لاي قوة او دولة او تنظيم يستهدف المساس بامنه او امن سورية»، ثم ينتقل الى احتلال العراق لافتاً الى انه عندما «بدأت الولايات المتحدة وضع رؤيتها المشتركة مع اسرائيل حول الشرق الاوسط الكبير موضع التنفيذ كانت سورية ولبنان العائق الاساسي امام تنفيذ هذا المخطط. ومع ازدياد التورط الاميركي في العراق، استغلت فرنسا ذلك لاستعادة جسور التواصل مع الولايات المتحدة وكان لبنان وعلاقته المميزة مع سورية واخراج قواتها منه نقطة التقاء المصالح الاميركية - الفرنسية في زيادة الضغوط على سورية وتصحيح علاقاتها مع واشنطن بصرف النظر عن طبيعة النيات الفرنسية وتباينها مع النيات الاميركية، فاقترح جاك شيراك على جورج بوش في 24 حزيران 2004 عناصر لقرار دولي لانهاء الوجود السوري، ووافق بوش ووجد فيه الصيغة المناسبة لاضعاف سورية ونزع سلاح «حزب الله».

ورأى هذا التقرير ان اغتيال الرئيس رفيق الحريري «سرع تنفيذ المخطط الخاص بلبنان» وان اللبنانيين انقسموا»لكن الغالبية عبرت عن الحرص على استمرار العلاقة المميزة مع لبنان. وكانت جريمة اغتيال الحريري تستهدف وحدة لبنان واستقراره. واتت الجريمة لتستهدف دور سورية. واخذ بعض الاطراف يعمل بصورة حاقدة وجاحدة واطلق سهام الغدر في اتجاه سورية التي لا تعتمد في روابطها التاريخية مع لبنان على الوجود العسكري، من دون ان يعني ذلك ان ممارساتنا في لبنان كانت صوابا كلها،لانه لا بد من الاعتراف بأن ثمة اخطاء تراكمت على الساحة اللبنانية لا بد من العمل على تصحيحها». وتابع :»نظرا لان الولايات المتحدة وفرنسا تستمران في التدخل في شؤون لبنان وتمليان عليه اسلوب مسيرته وعلاقاته العربية، فان مواجهة هذا التدخل تتطلب الحكمة والتوصل مع الاشقاء في لبنان الى العناصر الاساسية للعلاقة المميزة بين البلدين التي يصعب على الاخرين فصم عراها»، مشيراً الى ان القيادة «وجدت ان المصلحة الوطنية والقومية تتطلب التعامل بواقعية مع التحديات والتطورات الطارئة وعدم مواجهة الشرعية الدولية».

وفي اطار التوصيات المتعلقة بالشؤون الخارجية، دعا التقرير الى «التزام استراتيجية السلام، واعطاء اولوية للعلاقة التاريخية مع لبنان وترميم أي تصدع لحق بها وتنقيتها من أي شائية علقت بنسيجها وتعزيز التعاون السوري - اللبناني في اطار العمل المؤسساتي»، اضافة الى «تصحيح الخلل الذي اعترى العلاقات السورية - العراقية لحقبة طويلة والتشاور والتعاون مع القيادات والاحزاب لانجاح العملية السياسية في اطار عراق ديمقراطي موحد ومستقل». وكان لافتا ان التقرير النهائي، لم يتضمن توصية وردت في المسودة ودعت الى «استمرار سياسة الحوار البناء مع الولايات المتحدة وعلى كافة المستويات الرسمية واعضاء الكونغرس ومراكز البحوث الاستراتيجية ومختلف الجمعيات الاهلية والاعلامية وتبادل الزيارات من مستويات متعددة والعمل على تحقيق حضور سوري فعال في معظم الولايات المهمة في الولايات المتحدة».

السياسة الداخلية

وتضمن تقرير «البعث» اشارة الى ان السنوات الاخيرة شهدت حصول «خطوات على طريق الاصلاح والتطوير في مختلف ميادين الحياة الداخلية السورية واخذت تتبلور تدريجا (...) لكن عوامل موضوعية وذاتية اثرت سلبا في مسارات العمل» بينها «ظواهر الفساد والبطالة وترسخ تقاليد من الروتين والبيروقراطية والعقبات الادارية التقليدية وقصور الاعلام عن الدور المطلوب» ووصول شخصيات «غير نريهة» الى مراكز مسؤولة.

وعلى صعيد «حركة المجتمع»، افاد التقرير السياسي ان المجتمع شهد منذ المؤتمر القطري التاسع «حراكا واسعا مع بدء عملية التطوير والتحديث التي صبت في اتجاه تحسين المستوى المعيشي للمواطنين (...) كما اتخذت مجموعة من الاجراءات لتحسين مفاهيم الحريات العامة على جميع المستويات، وعاش المجتمع حالة انفراج في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية»، قبل ان يشير الى الترخيص في السنوات الاربع الاخيرة الى 600 جمعية والافراج عن «معظم المعتقلين السياسيين والعفو عن جميع المواطنين المتسببين في اعمال الشغب في الحسكة» والغاء بلاغات المراجعة والتوقيف ومنع المغادرة، واعطاء جوازات سفر للفارين ومنع التوقيف لقضايا لا تتعلق بامن الدولة وتحويلها الى القضاء المختص والغاء محاكم الامن الاقتصادي والغاء الكثير من الاجراءات التي كانت تحتاج الى موافقة امنية مسبقة».

وتحت عنوان «المعارضة السورية»، جاء في التقرير: «في ظل مناخ سياسي جديد وسياسة التطوير، وتنامي مسألة الحريات والحقوق الانسان والديمقراطية عالميا، جاء تأسيس العديد من المنتديات ولجان المجتمع المدني وجمعيات حقوق الانسان، ونشطت في اتجاه الندوات والبيانات والاعتصامات السلمية، وتركز نشاطها على المطالبة ببناء مؤسسات المجتمع المدني ومتابعة اوضاع المعتقلين والسجناء السياسيين».

وبعدما اشار الى ان «قسما كبيرا منها تضمن توجها غير موضوعي ومبالغ به ازاء تقويم الحياة السياسية والاجتماعية في سورية، وافتقد الى برنامج واضح واقتصر الطرح على انتقاد سياسة الاصلاح والمظاهر السلبية في التغيرات الجارية في سورية»، قال انه «تم اغلاق بعض المنتديات ومحاسبة المتجاوزين وفقا للقانون بالتوازي مع الترخيص لمئات الجمعيات الاهلية التي تمثل نشاطا اجتماعيا وثقافيا واسعا».

واذ قسم المعارضة الى قسمين:»معارضة وطنية لا تقبل التعاون مع الخارج وترفض مبدأ استخدام القوة ضد السلطة وتكتفي بتوجيه النقد الى خطط الحكومة بغية اعطائها فرصة للمشاركة في الحكم (تطالب بقانون احزاب، رفع حال الطوارئ، الافراج عن المعتقلين السياسيين، والغاء المادة الثامنة). ومعارضة غير وطنية تتعاون مع الخارج، وتركز جهودها في الحديث عن سلبيات المظام لاستخدامها في الدعاية المضادة والخارجية وتلجأ الى احداث الفتن الداخلية ونشر الاشاعات، واهم ما يمثله جماعة الاخوان المسلمين والتحالف الديمقراطي برئاسة رئيس حزب الاصلاح فريد الغادري والاحزاب المتشددة التي ليس له رصيد في المجتمع ويتطلب مقاومته وفضح ارتباطاته».

وفي اطار التوصيات، دعا التقرير الى اتخاذ اجراءات لتطوير العمل السياسي والحزبي مثل «تنظيم علاقة الحزب بالسلطة من خلال رسم السياسات والتوجهات العامة للدولة والمجتمع في كافة المجالات، وتحديد حاجات التنمية والمراقبة والاشراف على تلك السياسات والمحاسبة في تنفيذ الخطط، ومكافحــــة الفساد والتسيب والتشدد فيهــــــا» مع»تشكيل لجنة للمراقبــــة والمحاسبة وضبط السلوك الحـــــزبي، وتحديد سقف انتخاب القيادات الحزبية والنقابية والمنظمات على كافة المستويات بدورتين كحد اعلى».

وتضمنت التوصيات الرسمية ايضا «اصدار قانون احزاب يضمن المشاركة الوطنية في الحياة السياسية على قاعدة تعزيز الوحدة الوطنية، ومراجعة قانون الانتخابات البرلمانية والمحلية تطويره، وحل مشكلة احصاء العام 1962 في محافظة الحسكة (أي اعطاء جنسبة لاقل من مئة الف كردي)، ووضع الية لمكافحة الفساد ودعم اجهزة السلطة القضائية واستقلاليتها، وتعزيز مبدأ سيادة القانون وتطبيقه على الجميع واعتبار المواطــــن هي الاساس في علاقــــة المواطـــــن والدولة ومحاربة الظواهــر التي من شأنها الاضرار بالوحدة الوطنية».

ومن التوصيات الاخرى، احداث مجلس شورى يضم كفايات سياسية واقتصادية واجتماعية واحداث مركز للدراسات الاستراتيجية و»اعادة النظر بقرار اعفاء من بلغ الستين من عمره من جميع القيادات بحيث يستمر ما دام عضوا منتخبا» مقابل عدم استمرار القيادات الحزبية والنقابية لاكثر من دورتين، وصولا الى «تعديل قانون السلطة القضائية بما يعزز استقلالية القضاء وفصل السلطات» و»مراجعة قانون الطوارئ وحصر احكامه بجرائم تمس امن الدولة والغاء المرسومين رقم 6 لعام 1965 المتعلق بمناهضة اهداف الثورة والرقم 4 لعام 1965 المتعلق بعرقلة تنفيذ التشريعات الاشتراكية والقانون 53 لعام 1979 المتعلق بامن الحزب» ونص على منع أي تعاطف لـ»البعثيين» مع أي توجه سياسي اخر.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)