بعد كشف منفذي موجتي الاعتداءات في لندن، يسعى خبراء الارهاب للرد على السؤال: ما الذي يجمع بين منفذي العمليات الانتحارية في الموجة الاولى في 7 تموز (يوليو) الماضي والمتورطين في الموجة الثانية في 21 منه؟ هل يخضعون لقيادة موحدة أم ان المشترك الاتني والاجتماعي بين افراد كل مجموعة دفع افرادها الى القيام بمبادرة ذاتية بالعمل الارهابي، بتبريرات سياسية؟ وذلك من اجل التوصل الى اجراءات تساعد على التعرف على البيئة الحاضنة لمثل هذه الاعمال ورسم لشخصية الافراد الذين يمكن ان يتأثروا بهذه البيئة، ومن اجل رصد افضل لاحتمالات الخطر وتشعباته وامكانات تفاديه.

النظريتان خطيرتان. وسيكون على القادة العرب في القمة الاستثنائية المؤجلة التي ينبغي الا تؤجل كثيراً، ان يضعوا مثل هذه الاسئلة في الحساب، ما دام الارهاب بنداً على جدول الاعمال، وما دامت دول عربية تعرضت وتتعرض له، وما دام الارهاب الذي يضرب في العراق اظهر ان ثمة رابطاً بين المجموعات الارهابية. كما حصل في جريمتي اغتيال القائم بالاعمال المصري، وهو اغتيال «مُهدى» الى المصري ايمن الظواهري، وجريمة اغتيال الديبلوماسيين الجزائريين «المُهداة» هي ايضاً الى «الجماعة السلفية» الجزائرية.

على القادة العرب ان يحاولوا الاجابة عن السؤال عن مدى الارتباط بين فئات القتلة «الوطنيين» و «عابري الحدود»، من أجل ان تكون أي اجراءات مشتركة يتوصلون اليها متناسبة مع حجم التهديد. خصوصاً ان التجربة اظهرت ان الاجراءات الاحادية قد تساهم في وقف اندفاعة الارهاب في البلد المعني، لكنها لم تستطع القضاء عليه نهائياً. لا بل قد تؤدي الاجراءات الاحادية احياناً الى ان ينتقل الارهابيون من بلد الى آخر، مستغلين اي فجوة امنية، او تساهل قد يكون احياناً مقصوداً.

لذلك، لن تكون الاجراءات المشتركة فعالة الا اذا اخذت في الاعتبار مجمل المعطيات التي تشكل بيئة الارهاب وشخصية الافراد الذين تغريهم. فالمسألة تتجاوز مجرد الامن الضروري، الراهن والملح، الى خطوات قريبة وبعيدة المدى. وهي خطوات تداولها الحديث كثيراً، سواء الوقائية منها (تربية وتعليم وتنمية واصلاح سياسي ومشاركة الخ...) او الردعية (تعقب امني ورقابة مالية الخ...) او تقنية (مكننة للامن ووضع قوانين خاصة الخ...).

كل ذلك، يساعد في مواجهة الارهاب بالتأكيد، لكنه قد يكون مقصراً في التعامل مع الظاهرة ما لم تترسخ القناعة بأن هذه الظاهرة، مهما كانت اشكالها، تهدد الجميع. أي ان ما يهدد بلداً سيرتد على آخر، عاجلاً او آجلاً، حتى لو افترض بعض انه يمكنه ان يستغل مثل هذا التهديد في خصوماته. وهذا يصح ايضاً على دول الجوار العربي، خصوصاً تركيا وايران.

وفي هذا المعنى، ستفرض أي استراتيجة عربية جدية لمكافحة الارهاب تغييراً في سلوك دول عربية، وتفرض في اخرى اجراءات تطاول الممارسة الداخلية وخطط التنمية الاستثمار والتربية والتعليم واهدافهما. أي قد توفر مثل هذه الاستراتيجية الفرصة التي لم توفرها حتى الآن كل التحديات التي واجهها العرب مجتمعين. ولن تكون هناك خيارات اخرى، اذ ان الارهاب، مام دام قادراً على الضرب، لن يترك فسحة للتنفس، وصولاً الى تقويض الوضع.

موضوعان آخران ستواجههما القمة، الوضع الفلسطيني في ظل الانسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة والمصير المجهول الذي تفرضه اسرائيل على الأراضي التي تحتلها في الضفة الغربية، والوضع العراقي في ظل الاحتلال الاميركي ومضاعفاته. وسيكون مغرياً كثيراً اعتبار ان اي استراتيجية عربية لمواجهة الارهاب يجب ان تربط بمآل هذين الوضعين، واعتبارهما انهما وراء الظاهرة. ومثل هذا الاغراء قد يتماثل مع دعوة القمة الى وضع خطة حربية لتحرير العراق من الاحتلال الاميركي - البريطاني وتحرير الاراضي العربية من الاحتلال الاسرائيلي. ما دام بعض السياسيين العرب، ومعهم معلقون ومحللون، يحاولون ان يقولوا ان اي ارهاب يجب ان تكون جذوره في الاحتلالين، واولى خطوات محاربته تبدأ هناك!

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)