ان استقالة بنيامين نتنياهو من الحكومة قبل فترة وجيزة من فك الارتباط تضعه أخيراً في المكان الطبيعي المناسب له، كزعيم لليمين المتطرف في اسرائيل. فنتنياهو توّج نفسه امس زعيماً للمعسكر القومي والقومي ـ الديني الذي سطع في سمائه حتى يوم أمس نجم افيغدور ليبرمان، عوزي لنداو، بني ايالون، آفي إيتام وأريه الداد. وباستقالته أعطى نتنياهو غطاء وزخماً لمعسكر المخلين بالقانون الذي يهدد بإحباط تنفيذ قرار الكنيست بإخلاء المستوطنات من غزة وشمال الضفة، والذي اتخذ بأغلبية كبيرة. وقد اختار نتنياهو ان يستقيل الآن كي يتمتع من رصيد آني تحديدا في الأيام التي تستغيث فيها الدولة بقيادة مسؤولة.

بعد عامين ونصف من ترميم صورته كوزير للمالية، عاد نتنياهو ليبرهن انه لم يُصنع من مادة قيادية مسؤولة ورسمية. فلو أنه استقال قبل أشهر، عندما وافقت الحكومة والكنيست على قرار فك الارتباط، لكان في الامكان قبول ادعائه أنه يتصرف بناء على دوافع ايديولوجية وضميرية. بيد ان استقالته المتأخرة لم تهدف للتأثير، بل للمفاجأة. لم تهدف الى منع حصول عملية سياسية يدعي أنه عرف دائما انها تشكل خطراً على الدولة، بل لمحاولة خلق الصعوبات أمامها وللهرب أيضاً من المسؤولية عن تنفيذها. كما ان المؤتمر الصحفي الذي عقد امس، والذي اثنى خلاله بشكل خاص على نفسه بسبب أدائه كوزير للمالية، لا يمكنه طمس حقيقة ان السبب الرئيسي لنجاحه في منصبه كان قرار ارييل شارون حول فك الارتباط، وهو القرار الذي ادى الى تحسن موقع اسرائيل في العالم واستقراره بعد سنوات الانتفاضة.

انعدام الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي علقت فيه الدولة في اعقاب استقالة وزير كبير قابل للاصلاح من خلال اختيار سريع لوزير مالية جديد، وبالتأكيد هكذا، اذا ما بقي نتنياهو وحيداً في خطوته الشاذة ولم يسحب وراءه وزراء آخرين. وبعد تنفيذ فك الارتباط، الذي يعترف نتنياهو ايضا بأنه لم يعد ممكنا ايقافه، سيتحول الى مجرد ذكرى بعيدة لشخص مؤهل جداً، والذي بشخصيته الاشكالية كانت مواقفه المتطرفة ضارة به. فمن يختار التمسك بتصور سياسي متطرف، يعارض كل خطوة حل وسط ولا يرى في الأفق بصيص أمل لحل سياسي للنزاع مع الفلسطينيين لا يمكنه ان يُستقبل من الجمهور كمرشح مناسب ليشغل في المستقبل منصب رئيس الحكومة.

قبل اسبوع من فك الارتباط جديرٌ رئيس الحكومة بالتأييد والتشجيع من كل المؤمنين بدربه، دون حسابات شخصية واعتبارات سياسية. في هذه الأيام الصعبة، التي قد يقوم فيها قاتل جديد من اليمين يحاول تغيير الواقع بوسائل عنيفة، على الديموقراطية ان تتجند في دعم غير متحفظ لتنفيذ الخطوة التي قررتها الحكومة والكنيست. واذا ما جرى اخلاء غزة في موعده واستكمل كما هو مخطط له، فستسجل استقالة نتنياهو، التي تبدو الآن دراماتيكية، ليس اكثر من حدث عديم الأهمية، ربما تشكل أيضاً بداية شد في الساحة السياسية وإعادة انتشار للاحزاب حسب برنامجها الحقيقي والمحدث، من جهة سيقف معسكر رجال أرض اسرائيل الكاملة والمحتلة، ومن جهة أخرى الأحزاب المتمسكة بديموقراطية اسرائيل في حدود جديدة.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)