ما الذي تريدهُ سوريا الاكثر حرجاً في الفضاءين السياسي والأمني من ايران بعد تداعيات القرار 1559 على مجمل اوضاعها الداخلية ومستوى علاقاتها الاقليمية؟ سؤال ينبغي الاجابة عنه في ظل زيارة الرئيس السوري الى ايران.

لعل من نافلة القول ان سوريا لم تكن قبل احتلال العراق كما هي اليوم، وهذه حقيقة يجب الاعتراف بها، لقد كان تأثير الاحتلال في سياستها الداخلية والخارجية الاشد وطأة دون اية دولة في النطاق الاقليمي، وربما كان القلق السوري واضحاً ابان المؤتمرات الاقليمية والعربية التي عُقدت لمناقشة سبل منع احتلال العراق، وكان خطاب الرئيس السوري الاكثر وضوحاً من بين اكثر الخطابات السياسية الاخرى في التعامل مع المطلب الامريكي. إذ اشار الى ان النظام العراقي اذا كان مهدداً اقليمياً بالغ الخطورة فيجب ان يتم اسقاطه بقوى عربية واقليمية وليس بقوى امريكية. وربما عبر هذا الخطاب عن ادراك الرئيس السوري مخاطر وتداعيات الوجود الامريكي على سلامة وأمن بلاده، اذ وضعت سوريا بين كماشتي القوات الامريكية و”الاسرائيلية”، وأخضعت سياسة بلاده لضغوط متعددة وربما كان قبول المطلب الأممي فيما بعد وانسحاب قواته من لبنان الاكثر مقاربة بكأس السم الذي وصفه الامام الخميني عشية موافقته على ايقاف الحرب بين ايران والعراق.

اليوم وبعد ان اصبحت البيئة العربية اكثر عجزاً عن الإيفاء بأي التزام يقي سوريا من مخاطر التهديد الامريكي الصهيوني لم يبق امامها سوى الاستمرار بتطوير علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع ايران، وإن بدت وكأنها كمن “يغرد خارج سربه”، لكنها مضطرة بفعل الاضطهاد البيئوي صوب تطوير علاقاتها مع ايران والتي استغلت هذا الاضطهاد وطورته الى الدرجة التي اصبحت فيها المواقف السورية من جملة القضايا المصيرية التي تخصها متأثرة بالمواقف الايرانية الى حد بعيد.

اذا ما انتقلنا الى ايران ورغم وجود حراجة اقل نسبياً من سوريا في الفضائين الامني والسياسي الا انها اصبحت اكثر تحرراً في المرحلة الراهنة من ذي قبل، وأكسبها احتلال العراق ونشوء ازمتها النووية في ما بعد فاعلية وحضوراً دوليين، اذ وفر الوضع السياسي الجديد لها في العراق امكانية ان تكون من اكثر اللاعبين الاقليميين تأثيراً في السياسة العراقية بسبب:

اولاً:طبيعة وعمق الروابط الحوزوية بين المؤسستين العراقية والايرانية وامكانية ان تؤثر ايران حقيقة في الاحداث الجارية فيه.

ثانياً:لأنها كانت قد دعمت المعارضة الدينية السياسية للنظام السابق وقدمت لها كل سُبل العون والمساعدة وأكسبتها فاعلية واضحة، وعلى هذا الاساس لايخفي العديد من الساسة العراقيين الحاليين الولاء لإيران ولمواقفها الايجابية حينذاك، مما يسمح لها ان تكون فاعلاً شديد التأثير في مستقبل العراق السياسي.

وبالانتقال الى الأزمة النووية الايرانية التي وسعت الفضاء الدولي لها وأوجدت شركاء اوروبيين “الترويكا الأوروبية” لإدارة المفاوضات على مدى العامين المنصرمين وحتى الآن، وأوجدت سبيلاً لفاعلية ايرانية واضحة المعالم في الفضاء الأوروبي، وأصبح صوتها اكثر سماعاً من ذي قبل وبالعودة الى ان ايران قد باشرت بفتح اختام مفاعلها النووي في اصفهان والبدء بتحويل الكعكة الصفراء الى غاز اليورانيوم كخطوة اولى على طريق تطوير امتلاكها تكنولوجيا نووية وتأكيد الحضور السوري باتجاه دعم وتعميق الموقف الايراني في مواجهة الضغوط الامريكية، ما ينبغي ايضاحه هنا هو ان الرئيس السوري ربما اراد ايصال رسالتين من خلال هذه الزيارة:

الاولى: الاستمرار على ثبات المنهج السوري الرافض للتسوية مع الكيان الصهيوني وهو الامر الذي تعنى به ايران كشريك فاعل في هذا الرفض، وعليها ان تتحمل مسؤولية المخاطر التي يمكن ان تواجهها سوريا، و ان تستمر في دعمها سياسياً وعسكرياً وامنياً وهو ما يُفهم من خطاب الرئيس الايراني الجديد احمدي نجاد عشية استقباله الرئيس السوري بشار الاسد، حين اشار الى ضرورة التعاون مع سوريا في درء المخاطر المشتركة وضرورة الاستمرار بدعمها تصاعدياً وفق قراءة اولية لإمكانيات ايران المتنامية في الفضائين الاقليمي والدولي، والتي اشرنا اليها وتصاعد المخاطر التي من الممكن ان يتعرض لها كلا النظامين جراء الثبات على سياستهما الرافضة للضغوط الامريكية والصهيونية، وهو الامر الذي يلبي متطلبات كلا السياستين.

الرسالة الثانية التي من الممكن ان تقرأ من خلال الزيارة فهي تمثل اشارة سورية واضحة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني بأنها ليست الوحيدة في ساحة المواجهة معهما، وان التحالف مع ايران هو في طور التصاعد، وسوف يستبان في اعقاب هذه الزيارة صلابة الموقف السوري إزاء المطالب الامريكية والصهيونية والاستمرار في نهج مقاومة ضغوطهما، وهو ما تراه ايران منهجاً استراتيجياً لا تزال بحاجة للمحافظة عليه وتطويره بسبب طبيعة المخاطر التي تواجهها اذا ما تخلت سوريا عن مجمل التزاماتها وتحالفاتها مع ايران.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)