هل بدأت القيادة الايرانية تستعيد الأيام الأولى لانتصار ثورتها الاسلامية في العام 1979 فباشرت تسترد الشعارات الأولى ضد "الشيطان الأكبر" و"الاستكبار العالمي" وباتت تتهيأ لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وتتأهب للحرب؟ هل أعلنت ايران التمرد على كل المعادلة الدولية وأصبحت قاب قوسين وأدنى من خوض حربها على الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها؟

تطرح هذه التساؤلات في سياق التطورات التي برزت أخيراً في مواقف المسؤولين الايرانيين، التي أخذت لهجة تتسم بالشدة حيال الولايات المتحدة الأميركية في الأشهر الأخيرة وخصوصاً من جانب المرشد الأعلى للجمهورية الايرانية السيد علي خامنئي، وهذا ما عبر عنه خلال استقباله على نحو منفصل رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري منتصف تموز الماضي، ووفد من قيادة "حزب الله" مطلع الجاري، وفي السياق نفسه، جاءت مواقف رئيس الجمهورية أحمدي نجاد خلال استقباله الرئيس السوري بشار الأسد والتي أعلن فيها أن "سورية تشكل خط الدفاع عن الأمة الاسلامية والتهديدات المشتركة تدنو منا وتجعل لقاءنا ضرورياً أكثر".

وتوجت القيادة الايرانية هذه المواقف باعلانها استئناف نشاطاتها النووية الحساسة في مصنع تحويل اليورانيوم في أصفهان وسلمت سفراء الاتحاد الأوروبي رسائل ترفض فيها الحوافز المعروضة عليها لوقف برنامجها النووي.

يدرج مصدر دبلوماسي ايراني في بيروت هذه المواقف الايرانية في سياق "الدفاع عن المصالح الايرانية القومية وليس في اطار الاعتداء على أي من الأطراف الاقليمية أو الدولية", لذا تتمسك ايران بحقها في استئناف برنامجها النووي لأغراض سلمية على رغم التهديدات الأميركية والأوروبية بنقل الملف النووي الايراني الى مجلس الأمن، وفيما نفى الدبلوماسي الايراني وجود اتجاه لدى القيادة الايرانية يريد تفجير العلاقة مع الدول الأوروبية، وخصوصاً دول الترويكا فرنسا وبريطانيا والمانيا، لفت الى أن هذه الدول باتت تفتقد دور الوسيط وباتت أقرب الى الموقف الأميركي منها الى الموقف الايراني بل انها تكاد تتماهى مع موقف الادارة الأميركية في هذا الشأن، وكان على ايران في هذه الحال، أن تبادر الى اتخاذ موقف من خلال اعلان بدء نشاطاتها النووية جهاراً، ذلك أنها من خلال هذا الموقف تعلن اعتراضها على الأداء الأوروبي حيال مطالب ايران النووية، وفي الوقت نفسه، تدفع بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية الى أقصى الحدود.وهي لا تتوقع أن تؤدي هذه المواجهة الى طريق مسدود أمام التسويات، فالايرانيون وهم مصممون على حقهم في استئناف النشاط النووي ضمن شروط العضوية في الوكالة الدولية للطاقة الذرية, يتوقعون مبادرات تحمل عروضاً مرضية من الأطراف المعنية لا تلغي حقوق ايران في هذا الاطار، وتستقوي القيادة الايرانية بحجم المصالح الاقتصادية مع الدول الأوروبية والشراكة النووية مع روسيا والمصالح الاقتصادية المشتركة مع الصين وتفاقم المأزق الأميركي في العراق, لذا تؤكد الأوساط الدبلوماسية نفسها ان ايران لا تتخوف من انتقال ملفها النووي الى مجلس الأمن بل تستبعد هذا الانتقال باعتبار ان تفاقمه سيؤدي الى خسائر ستشمل كل هذه الدول، في حين أن فرص التسوية قائمة وممكنة.

نقطة التجاذب الثانية مع الادارة الأميركية ترتبط بأبعاد العلاقة السورية الايرانية وانعكاساتها على المسرح العراقي وفلسطين ولبنان، لقد فاجأ الرئيس الايراني الجديد في موقفه الداعم لسورية، بعض المراقبين, والمفاجأة لم تستثن القيادة السورية، ذلك أن سورية لم تسمع منذ زمن كلاماً ايرانياً يحمل هذا الحجم من الدعم السياسي، وخصوصاً خلال مرحلة انسحابها من لبنان، وسورية التي تتعرض لضغوط أميركية وفرنسية، سوف تخفف من الضغوط بسبب المواجهة الايرانية الحالية مع الادارة الأميركية والدول الأوروبية.

ويلفت المصدر الدبلوماسي الايراني الى أن الجمهورية الاسلامية الايرانية تتعاون مع دمشق في مواجهة هذه الضغوط التي يتعرض لها البلدان، وقال ان العلاقة السورية اللبنانية باتت رهينة التدخل الأميركي، اذ كيف يمكن سورية أن تطمئن اذا كانت الولايات المتحدة الأميركية تشجع على زعزعة نظامها من خلال استخدام الأراضي اللبنانية منطلقاً لهذه السياسة العدائية ضد دمشق.

وشدد الدبلوماسي الايراني على أن السياسة الأميركية قد أخفقت في قضايا عدة في لبنان، وهي أدركت انها لا تستطيع تنفيذ ما تريده في لبنان كما نفذت سياسات في العراق. وأضاف ان وزيرة الخارجية الأميركية جاءت الى لبنان حاملة سلة مطالب للتنفيذ، لكنها أدركت وهي تغادر لبنان انها لا تستطيع الى ذلك سبيلاً الا بتأجيل تنفيذها الى وقت آخر.

ويحدد الدبلوماسي الايراني مصدر ما يصفه الممانعة والصمود اللبنانيين في مواجهة الضغوط الأميركية، بالمقاومة اللبنانية، ويلفت الى أن هذه المقاومة التي يمثلها حزب الله مصدر قوة للبنان ولكل اللبنانيين. وشدد على أن ايران تدعم هذه المقاومة انطلاقاً من أنها تدعم لبنان وخياراته السياسية.

مصادر
صدى البلد (لبنان)