زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى ايران أمر طبيعي لحليف اقليمي أساسي جاء يهنئ الرئيس الجديد محمود أحمدي نجاد ومرشد الجمهورية علي خامنئي بالرئاسة الجديدة إلا أن توقيت الزيارة الذي تزامن مع تصعيد ايراني مع الغرب في الملف النووي أعطى للدول الغربية انطباعاً بأن جبهة تشدد ايرانية - سورية ازاء الدول الأوروبية والولايات المتحدة تكرست مع مجيء الرئيس الايراني الجديد الى الحكم.

كانت مصادر ايرانية اعتبرت أن الرئيس السوري ارتاح جداً الى نتائج الانتخابات الايرانية باعتبار ان منافس أحمدي نجاد كان يريد فتح الحوار مع الولايات المتحدة وانتهاج سياسة أكثر اعتدالاً في منطقة الشرق الأوسط. أما الآن وقد أمسك المرشد خامئني وأحمدي نجاد بزمام الحكم، فهذا لمصلحة سورية في مواجهتها للقرارين 1009 و1596 وقد نص الاخير على تولي الأمم المتحدة تحقيقاً دولياً في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ووافقت سورية اخيراً على طلب القاضي الدولي ديتليف ميليس أن يأتي الى سورية ويحقق مع مسؤولين أمنيين سوريين.

على رغم ذلك تحتاج سورية الى حليف مثل ايران للحماية من الخارج. الا ان الحليف الايراني ليس لديه أي حليف في الدول العربية المجاورة. فكل هذه الدول لا تثق بسياسة ايران حتى عندما كان النظام برئاسة محمد خاتمي المعتدل، اذ كان اعتداله معطلاً من جانب المتشددين وكان قلق دول المنطقة من السياسة الايرانية كبيراً. هذا ما ادركته مثلاً وزيرة الدفاع الفرنسية ميشيل اليوماري عندما جالت قبل نحو سنة على عدد من الدول الخليجية.

بالنسبة الى فرنسا لا يزال تطبيع العلاقات مع سورية بعيداً. فالاتصالات تمر عبر المبعوث الدولي تيري لارسن، ولا حوار حالياً بين دمشق وباريس. لا تزال فرنسا مستاءة من سياسة سورية حيال لبنان. وقد فتحت سورية الحدود للشاحنات اللبنانية لفترة وجيزة بعد زيارة رئيس الحكومة فؤاد السنيوره لكنها سرعان ما عادت فأغلقتها. والسبب الأساسي ان سورية طلبت من السنيوره وقف الحملات الاعلامية من الغالبية الحاكمة في لبنان على سورية. كان انسحاب القوات السورية لبنان اراح الأوساط الاعلامية من الضغوط، لكن ها هي دمشق تطلب من السنيوره أن يحدّ من حرية الصحافة.

هذه الممارسات وغيرها هي الآن تحت مراقبة الدول مثل فرنسا التي تنتظر من سورية ان تغير نهجها. ثم ان ادخال الاسلحة الى لبنان بات موضوعاً مقلقاً جداً لباريس وواشنطن. صحيح ان قراءة فرنسا لـ «حزب الله» تختلف عن التقويم الاميركي له فهي تعتبر ان المسار السياسي الداخلي ينبغي ان يبدأ بالتطرق الى اندماج الحزب في الحياة السياسية اللبنانية وتسليمه في وقت لاحق سلاحه الى الجيش اللبناني. لكن الحلف المتشدد المستجد الايراني - السوري قد يوحد الرؤيتين الفرنسية والاميركية، وهذا مقلق للبنان كونه ينذر بصراعات دولية واقليمية على ارضه وعلى حساب امنه واستقراره.

ان الانشغال الاوروبي - الاميركي منصبّ في المرحلة المقبلة على التعامل مع التشدد الايراني في الملف النووي والسماح بأن يتم الانسحاب الاسرائيلي من غزة في جو من الهدوء في المنطقة وأن يتمكن العراق من وضع الدستور، وستبقى أولويات الغرب للمنطقة مركزة على مكافحة الارهاب داخلياً في البلدان الغربية والعربية، لذلك فإن الأنظمة المتشددة قد تزيد المشاكل الأمنية تعقيداً في المنطقة اذا ارادت ان تخلق مواجهة جديدة.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)