خروج الجيش الاسرائيلي من غزة وتفكيك المستوطنات اليهودية التي أقيمت هناك واجلاء المستوطنين محطة اساسية في التاريخ الفلسطيني تؤرخ لبدء انتهاء الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية.ولكن مفاعيل تطبيق خطة شارون لفك الارتباط عن غزة والانسحاب منها من طرف واحد لا تقل أهمية وجذرية على الصعيد الاسرائيلي أيضاً.فمع اقتراب ساعة الصفر للإنسحاب بدأت تظهرالتغيرات والتبدلات التي ستطرأ مستقبلاً على الحياة السياسية والحزبية مما يجعل من خطة فك الارتباط مؤشراً لمرحلة مختلفة في الحياة السياسية لإسرائيل.سيكون حزب الليكود الذي يقوده حالياً رئيس الحكومة أرييل شارون أول المتأثرين بخطة الفصل واهمهم، وما استقالة وزير المال بنيامين نتنياهو من الحكومة سوى مؤشر الى المسار الذي تتخذه الاحداث داخل هذا الحزب المعروف عنه تقليدياً انه ممثل لليمين العلماني والمتشدد في آن واحد والذي حوّله شارون خلال السنوات الثلاث الأخيرة حزباً أقرب للوسط منه الى اليمين لا سيما بعد خروج ممثلي أحزاب اليمين القومي الديني المتشدد من الحكومة احتجاجاً على خطة فك الارتباط ودخول حزب العمل كشريك في الإئتلاف الحكومي.

بدأ الخلاف الداخلي في الليكود مع طرح شارون خطته الانسحاب من طرف واحد من غزة، واشتد عقب تجاهله نتائج الاستطلاع الذي اجراه داخل حزبه والذي أظهر ان غالبيته تعارض الخطة. وبرزت حركة تمرد داخل الحزب جمعت عدداً من ممثليه في الكنيست برئاسة عوزي لنداو شكلت نواة صلبة للمعركة المقبلة على رئاسة الحزب التي لن تكون هذه المرة معركة بين أسماء وانما معركة بين إيديولوجيتين: واحدة محافظة ومتشددة منغلقة تعتبر أي انسحاب من المناطق الفلسطينية هو بمثابة خطأ سيدفع الإسرائيليون ثمنه من حياتهم وامنهم واستقرارهم وأخرى أكثر قبولاً بالمنطق الدولي الداعي الى ضرورة فتح أفق نحو تسوية سياسية للنزاع مع الفلسطينيين عبر إعطائهم ما يمكن ان يشكل دولة فلسطينية بحدود موقتة وفقاً لنظرية شارون في الحلول الجزئية والطويلة الأمد.

من هنا من المنتظر ان يشهد هذا الحزب فور الانتهاء من تطبيق خطة الفصل، وبغض النظر عن احتمالات النجاح والفشل، خلافاً حاداً بين معسكري الليكود الآنفي الذكر حيث سيحاول كل منهما استقطاب القاعدة الشعبية نحو آرائه استعداداً للمعركة الانتخابية المقبلة التي تُجمع الآراء أنها قريبة، وقد يكون فشل الحكومة الحالية في اقرار الموازنة العامة سبباً للدعوة الى انتخابات مبكرة. وانضمام بنيامين نتنياهو الى معسكر المتمردين في الليكود لن يغير كثيرا في موازين القوى بين المعسكرين كما لن يؤدي على الارجح كما تنبأ إيهود باراك الزعيم السابق لحزب العمل الى انشقاق الليكود.

فلقد شهد هذا الحزب طوال تاريخه خلافات حادة بين أعضائه ونشوء معسكرات داخله،وغالباً ما ادت الحركات الانشقاقية عنه الى ذوبان المنشقين وضعف تأثيرهم السياسي كما جرى مثلاً لديفيد ليفي الذي خسر نفوذه السياسي بعد خروجه من الليكود، وعدم قدرة الاحزاب المستقلة التي أنشأها المنشقون عن الليكود مثل حزب الوسط على البقاء طويلا على خريطة الاحزاب السياسية .

من هنا سيشكل تنفيذ خطة فك الارتباط بداية مسار لبلورة ايديولوجيا واضحة وجديدة لهذا الحزب يمكنها ان تشكل بديلاً من فكرة ارض اسرائيل الكاملة التي ستصبح جزءاً من التاريخ مع تفكيك مستوطنات غوش قطيف في غزة.من جهة أخرى، من المنتظر مع انتهاء تطبيق المرحلة الرابعة والأخيرة للخطة أن يخرج حزب العمل الشريك الأساسي لشارون في تنفيذ خطته عن تأييده الكامل والمطلق لشارون وان يحاول هو بدوره اعداد نفسه للمعركة الانتخابية المقبلة. أما اليمين القومي والديني الرافض خطة فك الارتباط فلن يتوقف عن عملية التحريض المستمرة ضد شارون والفلسطينيين والتي قد تؤدي الى اختلال التوازن الهش القائم منذ قيام دولة اسرائيل بين الاقلية العربية والدولة الاسرائيلية.

مصادر
النهار (لبنان)