اشارت وسائل الاعلام الاميركية كثيراً في الاسابيع القليلة الماضية الى اعتزام ادارة الرئيس جورج بوش اتخاذ قرار بسحب قسم مهم من القوات الاميركية العاملة في العراق قبل الانتخابات التشريعية التي ستجري في الولايات المتحدة السنة المقبلة. لكنها اشارت في الوقت نفسه وخصوصاً في الأيام القليلة الماضية الى ان الادارة نفسها قد تزيد عدد هذه القوات قبل اتخاذ قرار تقليص عددها لمواكبة عملية اجراء الانتخابات التشريعية العراقية او لحمايتها والتي يفترض ان تجرى اواخر السنة الجارية وبعد موافقة المجلس التشريعي الحالي في العراق على الدستور الجديد والدائم الذي توضع نصوصه حالياً ويفترض ان ينجز في الخامس عشر من آب الجاري على أبعد تقدير.

هل تسير الامور في العراق وفقاً لما تخطط له ادارة الرئيس بوش وعلى النحو المشار اليه اعلاه؟

الجواب الايجابي والجازم عن هذا السؤال ليس سهلاً ولا ممكناً. اما الجواب السلبي والجازم فقد يكون أقرب الى الحقيقة والواقع في رأي مصادر اميركية واسعة الاطلاع. ويعود ذلك الى تطورات عدة قد تحصل من الآن حتى "التشارين" موعد الانتخابات التشريعية ابرزها اثنان. الأول، اخفاق اللجنة المكلفة وضع الدستور الدائم في انجاز مهمتها في الوقت المناسب الأمر الذي يلقي ظلالاً كثيفة من الشك على امكان تنفيذ الخطوات الاخرى التي يفترض ان تلي ذلك ومنها الانتخابات. وهذا الاخفاق محتمل بسبب استمرار الخلافات بين اعضاء اللجنة اي بين ممثلي الشيعة والسّنة والاكراد فيها على قضايا اساسية عدة مثل دور الاسلام في التشريع وهل يكون المصدر الرئيسي له او احد مصادره؟ ومثل الفيديرالية وهل تكون فيديرالية عربية، كردية او سنية – شيعية - كردية، أو هل يمكن الاستعاضة عنها بلامركزية معينة وان موسعة؟ اما التطور الثاني فهو تفاقم العنف الدائر في العراق حالياً الذي يمكن اعتباره حربين. واحدة معلنة على "الاحتلال" الاميركي – الدولي للعراق، واخرى أهلية مقنعة بين السنة والشيعة او بالأحرى عسكرية يشنها السنة على الشيعة لمنع سيطرتهم على البلاد وسياسية يشنها الشيعة على السنة ترمي الى تكريس اما سيطرتهم على البلاد في صورة شرعية واما ممارستهم دورهم السياسي وغير السياسي الكبير في العراق والذي تؤهلهم له غالبيتهم العددية.

ومن شأن التطورين المذكورين دفع الادارة الاميركية وتحديداً رئيسها جورج بوش الى اتخاذ قرار بالانسحاب العسكري من العراق على نحو ما اشرنا اليه الاسبوع الماضي استناداً الى معلومات واردة من واشنطن، وعلى نحو ما اشارت اليه وسائل الاعلام الاميركية المتنوعة. طبعاً لا تستطيع الادارة المذكورة الا ان تقدم لشعبها مبرراً لهذا الانسحاب هو تحقيق الانتصار، أي انتصار في العراق، بدءاً بازالة نظام صدام حسين ووضع العراق على طريق ديموقراطية تأخذ في الاعتبار حقوق كل مكونات شعبه واشكاله الدينية والمذهبية والاتنية وربما السياسية. لكن الشعب الاميركي يعرف قطعاً ان الانسحاب في حال حصوله سيكون دليلاً على امور عدة مهمة. منها فشل اميركا في تنفيذ الشق العراقي من استراتيجيتها في الشرق الأوسط. ومنها ايضاً احتمال انعكاس هذا الفشل على استراتيجيتها الشرق الأوسطية كلها بل على الشرق الأوسط كله بدوله والشعوب. ومنها ثالثاً ان الدافع للانسحاب هو حسابات انتخابية داخلية وخصوصاً انه قد يتم قبل موعد الانتخابات التشريعية المقررة في السنة المقبلة. وهذه المعرفة قد تدفع الشعب الاميركي الى الاقتناع او على الاقل الى الشك في ان ادارته لم تربح الحرب في العراق، واقتناع كهذا أو شك كهذا ربما يدفع الادارة ورئيسها بوش الى ترك المنطقة تنفجر كلها لاعطاء انطباع اولاً للشعب الاميركي، وثانياً للمنطقة وثالثاً للعالم ان جيشها في العراق كان قوة تهدئة وتحديث وتغيير او هكذا يفترض ان يكون وأن انسحابه منها "فتح ابواب الجحيم" ومن شأن ذلك ربما اعطاء الادارة نفسها ضوءاً اخضر جديداً للاستمرار في التعاطي مع قضايا المنطقة وان بوسائل أخرى.

هل يقتصر العنف المتوقع في العراق بعد الانسحاب العراقي على العراقيين؟

طبعاً لا، تجيب المصادر الاميركية الواسعة الاطلاع، بل سيتعداه الى محيطه. فهو سيكون اولاً حروباً بين السنة والشيعة وبين السنة والسنة وبين العرب والاكراد داخل العراق. وسيكون خارجه حرباً عربية ضد الاسرائيليين وحرباً تركية ضد الاكراد سواء داخل تركيا او في العراق. ويمكن ان يهدد ذلك سلامة انظمة عدة بل بقاءها مثل المملكة الاردنية الهاشمية ونظام الرئيس برويز مشرف في باكستان وربما المملكة العربية السعودية التي اعتلى عرشها اخيراً الملك عبد الله بن عبد العزيز.

ماذا عن سوريا، وهل تشملها انعكاسات تفاقم العنف في العراق ومحيطه على النحو المفصل أعلاه؟

طبيعي ان تتحول سوريا او بالأحرى نظامها، هدفاً لاميركا، في حال انسحاب اميركا مهزومة من العراق و"ذنبها بين رجليها" كما يقال رغم اعلانها تحقيق انتصارها، تجيب المصادر الديبلوماسية الاميركية الواسعة الاطلاع نفسها. اما النجاح في ذلك او الفشل فأمر آخر تحدده التطورات . لكن لا بد من الاشارة هنا الى ان النظام المذكور لا يزال على الاقل حتى الآن، غير مدرج على لائحة الاهداف الاميركية في المنطقة، كما لا بد من الاشارة ايضاً واستناداً الى معلومات واردة من دمشق ان القيادة السياسية السورية العليا لا تريد ورغم المواجهة الحادة بينها وبين اميركا الوصول الى نقطة اللارجوع. لكنها لم تهتد حتى الآن الى الوسيلة التي تجعلها تنجح في ذلك. كما ان صقور الادارة الاميركية والمحافظين الجدد لا يسهلون بدورهم مهمتها.

مصادر
النهار (لبنان)