الأزمة بين إيران والدول الأطلسية واقعة واقعة. ربما غداً أو بعد غد. ربما بهذا الشكل أو ذاك. قد يتطوّر الخلاف الحالي بين إيران والترويكا الأوروبية فتندلع الأزمة. قد يستمر التفاوض وفق عروض جديدة فتتأخر. غير أنها ستلوح مجدداً ما لم يجد أحد حلاً سحرياً لعقدة الاستعصاء فيها: حق طهران في تخصيب الأورانيوم.

يمكن، افتراضاً، تصور الحوار التالي:

إيران: إن من حقنا امتلاك الدورة الكاملة للتكنولوجيا النووية، بما في ذلك تخصيب الأورانيوم. صحيح أننا لا نحتاج إلى مصادر طاقة حالياً ولكن الصحيح، أيضاً، أن النفط إلى نضوب وأن هذه التكنولوجيا ذات مردود عام على اقتصاد أي بلد وتقدمه.
<<الترويكا>>: إن امتلاك الدورة الكاملة يؤهل إيران للانتقال من الاستخدام السلمي إلى الاستخدام العسكري. يتوجب، والحالة هذه، الإبقاء على حلقة واحدة، على الأقل، مفقودة مع الاستعداد للتعويض عنها بحوافز متعددة. والموافقة الإيرانية على هذا الانتقاص من الحق هي الدليل المطلوب عن حسن النية.

إيران: امتلاك الدورة الكاملة حق تنص عليه معاهدة الحد من الانتشار النووي التي وقعتها طهران. إنه، إذاً، حق معترف به دولياً. وإلى ذلك فإن إيران مستعدة للموافقة على حصول العملية كلها تحت إشراف مراقبين من الوكالة الدولية المختصة. وحتى عندما تقرر تفعيل مفاعل أصفهان فلقد تأخر ذلك إلى حين وصول المراقبين ونصب الكاميرات.

الترويكا: لا جدال، مبدئياً، في الحق، غير أنه سبق لإيران أن أخفت، لسنوات، أجزاء من برنامجها. الريبة واجبة إذاً. ثم هناك <<اتفاق باريس>> الذي وافقت طهران بموجبه على وقف التخصيب طالما استمرت المفاوضات. ومن غير الجائز الانسحاب الأحادي من هذا الاتفاق.

إيران: <<اتفاق باريس>> أقل أهمية من المعاهدة. ثم إن إيقاف التخصيب كان <<خطوة طوعية>> بما يعني أنه يجوز لمن أقدم عليها التراجع عنها. وهذا ما حصل بعدما تأخر الأوروبيون في تقديم عرضهم. ولا يسع طهران إلا القول بأن المعاهدة وأحكامها هي أرقى ما توصل إليه العالم في ما يخص المراقبة بما يرفع أي مسؤولية عن أي تقصير. إلى ذلك ثمة دول غير منضمة إلى المعاهدة أصلاً، وهي طوّرت وباتت تملك برنامجاً نووياً وترسانة عسكرية ذرية (إسرائيل، الهند، باكستان) ومع ذلك فإن أحداً لا يسائلها بل إن الولايات المتحدة تعقد اتفاقات معها (الهند) في ما يخص التبادل النووي أو في ما يخص وسائل حمل الرؤوس النووية (باكستان).

الترويكا: لم يتأخر العرض الأخير عن موعده ثم إنه كان عرضاً مغرياً. يتضمن حوافز ومغريات اقتصادية وتكنولوجية، كما يتضمن الاعتراف لإيران بتطوير برنامج سلمي وتزويدها مكوّنات لذلك. ثم إن الأوروبيين يعرضون مساعدات في <<مجالات عدة كالبيئة والاتصالات والتربية والتدريب وإعطاء دفع في مجالات تعاون أخرى مثل المواصلات والسياحة وعلم الزلازل>> أضف إلى <<العمل على التوصل إلى اتفاق للتعاون والتجارة.. وتقديم الدعم السياسي من أجل دخول إيران إلى منظمة التجارة العالمية>>.

إيران: العرض ليس مغرياً على الإطلاق. فهو يضع شروطاً سياسية ضمنية تحت اسم <<الالتزامات المشتركة في موضوع حظر انتشار السلاح النووي وشؤون الأمن الإقليمي والإرهاب>>. إلى ذلك إنه يقصر عن تلبية الطلب الإيراني الخاص بإمكانية التخصيب ويقيم معاملة تمييزية غير مقبولة.الترويكا: إن رفض العرض وإعلان مباشرة التحويل دليلان قاطعان على الرغبة في السلاح النووي لا في البرنامج السلمي. نحن، إذاً، أمام تصعيد جدي لا يمكن السكوت عنه. لذا يتوجب المرور عبر مجلس محافظي الوكالة الدولية والإصرار على تحويل الملف إلى مجلس الأمن. وفي حال وصلت الأمور إلى هذا الحد ستواجه إيران عقوبات اقتصادية وعزلاً سياسياً وربما إجراءات عسكرية يدعو إليها بعض الأكثر تشدداً.

لا تمكن الإحاطة الفعلية بهذا الحوار الذي امتد لحوالى سنتين من دون وضع الولايات المتحدة (وإسرائيل) في خلفية المشهد. فواشنطن رسمت خطاً أحمر، وامتنعت عن الاشتراك في التفاوض، ورفضت أي حوار مباشر مع طهران، ولم تقدم أي التزامات. أقدمت، بدل ذلك، على الضغط على الأوروبيين ولومهم على ضعفهم وتخاذلهم. راهنت، ربما، على اصطدامهم بالإصرار الإيراني من أجل اجتذابهم نحو إنتاج موقف غربي إجمالي لا يكون فعالاً إلا إذا كان مشتركاً. والخطوة التالية، من وجهة نظر الولايات المتحدة، هي التأسيس على وحدة الموقف الأطلسي من أجل تطويق أي تردد روسي أو صيني خاصة إذا بدا أن الدولتين مهتمتان بمصالحهما مع إيران سواء في ما يخص النفط والغاز أو ما يخص الأوضاع في منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى.

إذا حصل وانتقل الملف إلى مجلس الأمن فإن ذلك سيدشن أزمة دولية في منتهى الخطورة ذات ارتدادات إقليمية استثنائية في أهميتها: التوتر السياسي والأمني، التأثير على سعر النفط، تعديل الحسابات في أفغانستان والعراق، إرغام دول المنطقة على خيارات صعبة، صعود الحرارة في الخليج، طرح أسئلة صعبة على لبنان... سيصبح هذا كله وارداً حتى لو لم يتدهور الوضع نحو مواجهة مسلحة مفتوحة على الاحتمالات كلها، وهي مواجهة تعمل إسرائيل مع صقور الإدارة الأميركية على حصولها.

إذا قررت إيران المضي في ممارسة حقها السيادي، وإذا كانت قررت ذلك الآن، فليس الأمر نتيجة انتخاب محمود أحمدي نجاد للرئاسة. إن هذا القرار، في حال اتخذ، يبدو مرتبطاً بوجود تقدير استراتيجي إجمالي يقول إن التوازن في المنطقة، من فلسطين إلى لبنان، إلى سوريا، إلى العراق، قد استقر على نحو يسمح بهذه الخطوة. بكلام آخر ستكون طهران تعطي الإشارة القوية إلى أنها ترى الموجة الأميركية التي ضربت الإقليم منذ غزو أفغانستان آخذة في الانكسار والتراجع وأنه آن الأوان، ربما، لهجوم مضاد محدود يدخل بعض التعديل على التوازن الناشئ.

مصادر
السفير (لبنان)