يرى البعض أن زيارة الرئيس الأسد لطهران تملك مقاربة مع زيارة الوزير فؤاد بطرس إلى دمشق عام 2001، أما موقع هذه المقاربة فهو الحديث الذي دار بين الرئيس الأسد والوزير بطرس الذي سًرب بشكل أو بآخر. وربما يمكن تجاوز صحة ما نقلته التسريبات لأن الاستنتاجات والمقاربة بين الحدثين هي الأساس.

وما يراه البعض وينشر في الصحف كتحليلات للآفاق الاستراتيجية لسورية مبني على طبيعة الوضع العراقي اليوم، وليس على ما يحدث في لبنان، فمهما حاولنا زج الحدث اللبناني في السياسية السورية، إلا أن السيناريو العراقي هو الأساس، وهو الذي سيدعم وفق الاستراتيجية الأمريكية آليات عملية التغير في المنطقة عموما. هذا النموذج القائم على "خيار الديمقراطية" مقابل "الاستقرار" كما قالت كوندليزا رايس، وكما يحلو لعدد من المحللين عند تذكرهم لقاء الوزير بطرس بالرئيس الأسد وقاربتها بالمباحثات السورية – الإيرانية الأخيرة.

فـ"خيار الديمقراطية" ربما يدفع بالتفكير بالعراق وكأنه يحمل نفس المكون اللبناني، لذلك لا بد من "اتفاق طائف" عراقي، وربما يحدث هذا الأمر، لكن علينا الإشارة هنا لأمرين:

- إن "الديمقراطية العددية" هي آلية للتمثيل السياسي، لكنها ليست الديمقراطية بذاتها. والحديث اليوم عن أكثرية وأقلية حتى على مستوى المناطق شأن معترف به ضمن المزيج الاجتماعي. والتركيز عليه كتكوين سياسي يختصر الديمقراطية إلى نسب سكانية بدلا من اعتبارها مفهوما حداثيا مرتبطا بظهور الدولة المعاصرة وانتماء الجميع إليها.

- العراق كان يحوي شأنه شأن كافة دول منطقتنا تنوعا سكانيا لكنه لم يظهر تاريخيا كتوليفة لهذا التنوع. ولم تفرض حكومة الانتداب فيه شكلا سياسيا لعملية التوازن في مكونات مجتمعه، هذا الأمر ينطبق على سورية أيضا، لكنه في لبنان يأخذ معادلة أخرى. وربما يكفينا هنا استعراض الاتفاقات التي سبقت جلاء القوات الفرنسية عن لبنان حتى نلمس الفرق.

"التعسف الديمقراطي" اليوم ليس في طبيعة الحركة السياسية نحو هذا الحلم ... "التعسف" هو في افتراض الديمقراطية كبديل عن المزيج السكاني، وكحل استعاضي عن حداثة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني. تعسف الديمقراطية هي في ظهور "التجمع السكاني" بدلا من الحزب السياسي والجمعيات والنقابات وغيرها من المؤسسات المعاصرة.

عندما زار فؤاد بطرس سورية ... وعندما تباحثت إيران مع سورية ... وعندما ... المسألة ليست في الماضي ولا في الحلم الطوباوي الذي يطلق في كل لحظة بل في استحقاق ما نريده دون أن ندوس على المستقبل بمنطق العشيرة والقبيلة و .....