من غير تكليف قدم الأستاذان فايز سارة وميشيل كيلو نفساهما ناطقين باسم المعارضات السورية في ردين على مقالنا المنشور في <<السفير>> في 28/7/2005 تحت عنوان <<المعارضة السورية من الأزمة إلى الإفلاس>>، فجاء رد سارة بعنوان نقد الاتهام في ساحة العموميات (3/8/2005)، ورد كيلو <<المعارضة السورية وتحرير فلسطين>> <<السفير>> (5/8/2005).

ملاحظات أولية لا بد منها:

شكرا لسارة وكيلو أن شغلا نفسيهما بتدبيج ردود مستعجلة <<مادتها افتراضية واتهامية>> من دون أن يكلفا نفسيهما قراءة مقالنا بتمعن، ساعيين إلى اصطياد عبارات واجتزائها من جملتها على نهج <<ولا تقربوا الصلاة>> مستخدمين المناسبة لقول ما يريدان قوله لا ما يناسب المقام ويناقش المقال وموضوعاته وأفكاره في دليل إضافي على الضحالة والتسطيح، وإتقان مهنة التدبيج وكيل الاتهامات والتوصيفات المسبقة الصنع، والرغبة في التسلط والإرهاب الفكري (التسلط من موقع المعارضة) يستوي نهج رد سارة وكيلو برغم التعارضات المفجعة في الردين وإمكانية استخدام احدهما لنفي ما جاء في رد الآخر مع ممارسات السلطات التي ترفضها المعارضات وندينها نحن الداعين إلى حوار منفتح تفاعلي يتجاوز سوق الاتهامات والتوصيفات المفبركة، بعرض الحجة في وجه الحجة، والوثيقة في إبطال وثيقة.

منحنا السيدان فرصة اكتشاف دليل إضافي على الأدلة الكثيرة التي وردت في مقالنا والأدلة التي جاءت في مقال الأستاذ حسين العودات 200584 <<السفير>> تحت عنوان <<المعارضة السورية: حسبنا أنها حية>> في معرض مناقشته الأفكار المتداولة حول حال المعارضة السورية، فجاء ردّا سارة وكيلو دليلا على إفلاس المعارضات السورية عطفا على الأسباب التاريخية والموضوعية والذاتية التي كنا قد اشرنا إليها وهي واقع الحال المعاش لهذا الإفلاس عندما نصبا نفسيهما ناطقين باسمها، لا سيما عنوان رد كيلو، وأعفتنا المعارضات من المسؤولية الأدبية أنها لم ترفض ادعاءهما، بحيث يمكننا من هذه الزاوية اعتماد الردين كدليل إضافي على حالة الإفلاس والإدانة هذه المرة من فمها، بشهادة من أهلها.

ما الذي أراده سارة وكيلو؟

استعجل سارة في مقدمته الإيحاء بطريقة خبيثة الى أن مقالنا جاء متساوقا مع حملة السلطة السورية ضد المعارضة فيما ناقضه كيلو عندما قال.. <<بدا لي أن الكاتب نفض يده من النظام السوري>> نسأل السيد سارة أن يأتي بعبارة واحدة في مقالنا تفيد بما ذهب إليه، اتهاما يذكرنا برجل شرطة سرية مبتدئا لا يفقه ألف باء التعامل مع الرأي ولم يكلف نفسه عناء فهم ما كتبناه، ولا استوعب مقاصده وأهدافه، ولم يقرأه برغم الإيجاز فيه ليس لعلة في قدرة النص على التفهيم، بل لرغبة في النأي من المعارضة عن أي نقد وكأنها قدس مقدس يحرم مقاربته، لذلك ذهب ومن العنوان، إلى النص، وفي المقدمة لسوق اتهامات باطلة تأكيدا قطعيا لعجز عن الحوار باستبدال أدواته ومناهجه بالهجوم المضلل والاتهامات ثم يربط بين المقال وتوقيت نشره مع الجاري بين المعارضات والسلطة من ممارسات لم ندافع عنها يوما ولم نقبلها بغض النظر عمن كان البادئ ومن المخطئ ومن المسؤول فتلك لم تكن هما لمقالنا ولا كان لها مكان في أي من عباراتنا.

في سياق متصل ولنفس العبارة قدم لنا كيلو فهما مختلفا تماما عكس ما فهمه سارة، فجاء في رد كيلو <<لم أفهم سر الحملة الشعواء، التي شنها الكاتب ميخائيل عوض ضد المعارضة السورية في.. بعد قراءة المقالة، بدا لي أن الكاتب نفض يده من النظام السوري، لأن (جدار مصالح القوى السائدة مقفل ومتحكم به ليمنع تداول السلطة حتى داخل النخبة والطبقات والفئات الحاكمة والمالكة والمسيطرة، ما يجعل الحالة مستعصية والمعالجة واجبة>>. دعونا نضحك قليلا على هذه الرواية، وعلى هذه الطريقة بمقاربة الأمور ومحاولة الاصطياد الفاشلة، فهل عيب على ميخائيل عوض أن يعرض للواقع المعاش كما يراه؟ وأن يسمي الأشياء بأسمائها، وأن يسجل نقده لتحكم جدار المصالح في سوريا وغيرها من بلدان العرب على ما جاء في العبارة ذاتها؟ أليست هي الطريقة الأجدى لمقاربة المسائل ووضع اليد على الأزمات؟ والسؤال لماذا لم يعرض صاحبنا كيلو كامل العبارة ففي التتمة جواب على الأسئلة التي شغلت باله <<هذا ما وجده سارة، وعجز عن فهمه كيلو>> فماذا تقول العبارة التي شغلت بال الكاتبين؟

أراد الكاتبان والفعل هنا ينتمي إلى الارادوية القسرية أن يقتنصا مناسبة ردهما على مقالنا للتشهير بالسلطة السورية (ما لنا بالأمر) فهذا شأنهما من دون أن يجهدا نفسيهما في معالجة الأسئلة والأفكار التي عج بها مقالنا من أوله إلى أخره متهربين من مهمة الدفاع عن المعارضات عبر صياغة رد محكم وموثق على ما جاء في مقالنا مبررين الهروب، كي لا نقول العجز، بلصق تهمة الإنشائية على المقال، جازمين بأن أي ذي بصيرة تسنى له قراءة المقال لوجده من أوله إلى آخره مليئا بالأفكار والأدلة والشواهد، مركزا على قراءة في واقع الحال السوري، والتدليل على الأسباب العملية <<من واقع طبيعة وتجربة المعارضة والساحة السياسية السورية>> لأزمة المعارضات وأسباب دخولها مرحلة الإفلاس، المسألة التي حاذر سارة وكيلو مقاربتها وهربا من دخول بيئة الحوار إلى الشتائم والاتهامات، بل فعل كيلو ما لا يجوز فعله عندما ساق رواية اللقاء في مكتب محمود سلامة، راويا الرواية على كيفه وعلى طريقته مستحضرا شاهدا صار في ذمة الله رحمه الله، ولم يذكر تتمة الرواية، ولم يخبر القارئ لماذا انتقل الحوار حينها من نقد المجتمع المدني إلى الحديث عن فلسطين وتحريرها، فنجد أنفسنا مضطرين لتذكير كيلو ببعض الوقائع وشهودنا على ذلك شهوده، تذكر يا سيد كيلو.. لقد انتقل النقاش من مسألة المجتمع المدني وعلاقته بالحملة الأميركية على المنطقة ونظمها الوطنية ومجتمعاتها التي نظمت المقاطعة الاقتصادية وقواها المقاومة التي تجاهد لإسقاط الحملة إلى الحديث عن فلسطين والتحرير عندما شن كيلو هجوما عاصفا على المناضل الوطني الكبير عزمي بشارة ثم كتب بعدها مقالا في النهار بنفس الاتجاه لمن يريد التعرف على حقيقة موقف كيلو ففرض دفاعنا عن عزمي والانتفاضة الانتقال إلى قضية فلسطين ودفاعه عن العلاقات بين أجهزة السلطة الفلسطينية والعدو الصهيوني الأمر الذي دفعنا دفاعا عن فلسطين ومقاومتها وإحقاق للحق إلى عرض وجهة نظرنا التي نتمسك بها وقد صغناها بالاشتراك مع حميدي العبد الله بكتاب موجود في السوق لمن يريد الاطلاع على وجهة نظرنا التي تمسكنا ونتمسك بها وقد صدقت نبوءاتنا فيه تحت عنوان <<الانتفاضة: تحرير فلسطين أمر راهن>> ويحضرنا السؤال: ما سر وما مبرر سوق كيلو لتلك الواقعة؟ وما هو مكانها في الرد على مقالنا؟ وأين يصنف موضوعها؟ غير تأكيد جديد لعجز كيلو عن فهم الجاري في فلسطين ولموقفه العدائي من المقاومة والانتفاضة ورجالاتها والوطنيين الفلسطينيين المشهود لهم، نسوق ذلك للتدليل على حقيقة أن ممثلي المعارضة السورية يقفون في مكان آخر وعلى ارض أخرى غير التي تقف عليها المقاومات والقوى والرموز الوطنية ما كنا لنثقل النص بهذا التذكير لولا رغبة كيلو وطريقته في اجتزاء الأمور وتكييفها.

والمشكلة عند سارة وكيلو والمعارضات التي ينطقان باسمها أن رديهما يمثلان صك إدانة للمعارضات بما هي تحاول إدانة السلطات به، لجهة إقفال باب الحوار بإطلاق التهم والتصنيف عن سابق تصميم لا النقاش حول المادة التي وردت في مقالنا، فأكد لنا أن فاقد الشيء لا يعطيه، والمبتلي بثقافة الاستبداد والعجز، والعنجهية، ورفض الحوار وهو في المعارضة لا يستطيع تجسيدها بالممارسة إذا أصبح في السلطة، لا قدر الله.

وأراد سارة وكيلو أن يبررا عجز المعارضة وإفلاسها فذهبا كالعادة إلى كيل التهم والمسؤوليات على السلطة وسياساتها السياسات المعروفة والتي لا يفيد اجترار نقدها في محضر الرد على المقال وموضوعه المختلف، وحين عدد سارة الأنشطة التي قامت بها المعارضة في السنوات الخمس الأخيرة، لم يخبرنا ما الذي حققته، وما الذي أنتجته من مناخات ومن بيئات للحوار المسؤول، وحجم ما حققته من التفاف شعبي حولها وما أثبتته من مصداقية في مقاربة الهموم الوطنية والقومية والاجتماعية للعرب السوريين، ولم يفصح لنا عن موقفها من الحملة الأميركية وأدواتها، ولا قال لنا موقفها من المقاومات العربية وكم ناضلت وأقامت من النشاطات تضامنا معها ودفاعا عن قضاياها ولم يذكر لنا عدد الشهداء الذين قدمتهم على طريق تحرير الوطن من الاحتلال، وأدواته، ولم يدلنا على جديتها وواقعيتها في مقاربة المهام، وفهم الواقع وطبيعته، ولا أعطانا دليلا على امتلاكها برنامجا وطنيا اجتماعيا تجتمع عليه أولا وتجمع المجتمع حولها والحالة هذه يؤكدها تناقض قراءة كيلو وسارة لمقالنا وعبارته المجتزأة العمل المشكور الذي ركز عليه السيد حسين العودات في مقاله المشار إليه أعلاه، فاتحا بابا لحوار مسؤول حول واقع الحال السوري ومشكلات المعارضة لا <<أزمتها وإفلاسها>>.
في مناقشة ردود سارة كيلو لا يسعني إلا أن أتضرع قائلا: حمى الله سوريا وشعبها، ومعاذ الله أن تسقط بيد مستنسخين من طينة الجلبي وكرزاي على أن الأصيل برغم سيئاته يبقى أفضل.

الدعوة إلى حوار جاد تفاعلي دعوتنا ورغبتنا، فهذه سوريا التي يشهد لها القاصي والداني والعدو قبل الصديق أنها ما زالت قلبا عربيا ينبض ويحمل الراية في وجه اعتى عاصفة هوجاء تستهدفها لأنها عنوان كبرياء الأمة، وحقها علينا أن نحميها، وإدراكنا أن الحماية لا تكون من دون تصليب الجبهة الداخلية والتصليب مدخله الحوار المنفتح والمتحرر من عقليه الاتهام والتخوين، فتعالوا إلى كلمة سواء، وهاتوا ما عندكم من برامج وأفكار ولا تستعجلوا بيع أوهام لن تكون واقعا يوما، فتحصدوا الخيبة، بعد الخيبات التي حققتم.

مصادر
السفير (لبنان)