«الانتقال من مرحلة الحرب الى السلم» شعار ترفعه «القوات اللبنانية» في هذه الفترة لتهيئة الأرضية للمرحلة التي ستعقب عودة قائدها سمير جعجع من فترة العلاج والنقاهة في العاصمة الفرنسية باريس، وهي مرحلة تتطلب العمل على تغيير جذري في الذهنية بعدما نشأ الطابع القواتي في مرحلة الحرب وهو في سعي جدي لمواكبة مستلزمات السلم.

ولهذه الغاية تنشط الكوادر التنظيمية والخلايا والهيئات القواتية القديمة والمستحدثة في إعداد مشروع يتماشى مع التحول المطلوب من الحزب الذي استعاد شرعية العمل السياسي بقرار من مجلس الوزراء الذي ألغى الموافقة الحكومية المسبقة للجمعيات السياسية مكتفياً بالعلم والخبر من وزارة الداخلية.

ويتطلب هذا التحول الذي تشهده القوات جهدا كبيرا على الصعد كافة بعدما اعتادت الذهنية القواتية خلال فترة الحرب على نوع من التسلط. هذا الشعور نتج عن أن هذه الميليشيا العسكرية الأكثر تنظيما في الشارع المسيحي استطاعت منذ نشأتها أواخر السبعينيات مع قائدها الأول بشير الجميل أن تفرض نفسها على أنها الحلقة الأقوى في الساحة المسيحية، والرقم الصعب في كل المعادلات.

لكن القوات منيت بضربة قوية باغتيال قائدها رئيس الجمهورية بشير الجميل في 14 سبتمبر بعد 21 يوما من انتخابه، فدخلت اثر ذلك في انتفاضات عدة، نتجت عن تصارع ورثة الجميل على قيادة الحزب. فتوالت الانتفاضات بين سمير جعجع وايلي حبيقة وكريم بقرادوني. الى ان تمكن جعجع أواسط الثمانينيات من ان يصبح الرقم «1»، واستمر في منصبه على رغم سجنه أحد عشر عاماً.

خلال فترة الحرب سعت القوات الى الفيدرالية والكانتونات الطائفية. لكن مع نهاية الحرب كانت العامل المسيحي الأساس الذي انجح اتفاق الطائف، فانتقلت مع جعجع من الدويلة الى الدولة.

وكان القواتيون ينتظرون عودة قائدهم السجين إلى الحرية ليعودوا معه إلى سابق عهدهم، لكن خطاب جعجع الأول بعد خروجه من الزنزانة أعاد إرشاد البوصلة القواتية بتأكيده ان ما يصح في الحرب لا يصح في السلم. ومنذ ذلك الخطاب والقيادة القواتية تعيد ترتيب البيت الداخلي ليتكيّف مع المظهر الجديد لحزب اعتاد على ان يكون ميليشيا، وما يحتمه ذلك من تغيير في طرق التعامل والمواجهة مع المواضيع المطروحة.

عن هذه النظرة الجديدة يشير رئيس مصلحة الطلاب في القوات دانييل سبيرو لسالبيان» الى «ان التركيز كان في السابق على النضال من اجل الاستقلال وتحرير لبنان. أما اليوم فمع تحقيق هذا الاستقلال وخروج القائد هناك صفحة جديدة فتحت تتطلب نمطا جديداً في التعاطي.» لكن هذه النظرة لا تلامس معظم الشارع القواتي الذي لا يزال أسير الحقبة الماضية.

ويتجلى هذا الشعور من خلال ما يراه القواتيون عائدا لا محالة مع القائد. فهم يرون أن الشارع المسيحي سيستعيد وهجه، وسيسترجع المسيحيون الموارنة خصوصا حضورهم المميز الذي عرفوه منذ اعلان دولة لبنان الكبير عام 1920.

أما سبيرو فيطمئن «ان الشباب القواتي تعلم من الحرب وطوى صفحتها، ولا مجال للعودة الى الوراء بعد اليوم»، ويؤكد ان القواتيين والمناصرين خرجوا من عقلية الحرب، لكن يلزمهم بعض الوقت للتكيف نهائيا مع متطلبات السلم.

ويشرح ان العمل منكب حاليا على إعادة تنظيم الهيكلية القواتية التي ستتكيف مع نظرة الحكيم (جعجع)، وهي ستتواكب مع إجراءات داخلية تقوم على لقاءات وندوات وحلقات حوارية وتثقيفية للكوادر، والانفتاح على الفرقاء الآخرين للتواصل والنقاش حول الملفات المطروحة.

والحوار الأساس بنظر سبيرو يكون بين القيادات السياسية حول النقاط الجوهرية لتكوين الكيان اللبناني والملفات الساخنة المطروحة من السلاح الفلسطيني وسلاح المقاومة ومزارع شبعا، وهذا الحوار إما يكون تحت قبة البرلمان، أو من خلال مؤتمر للحوار، أبقى إمكان دعوة القوات بقية الأطراف اليه رهناً بجعجع.

واللافت في «القوات» المتجددة التي تظهر ملامحها من حديث سبيرو خروجها من منطق فرض الرأي الذي امتازت به في السابق، الى منطق التوافق والحوار.

وهي من السمات الأساسية التي يبدو ان النهج الجديد للقوات سيطبع بها، على رغم ان الشارع القواتي يحتاج الى وقت غير قصير للاقتناع بأنه ليس دائما على صواب، نظرا لتراكمات الحرب الطويلة والشعور بالغبن الذي خلفه سجن جعجع، وتحول القوات من الآمر الناهي الى مشارك في القرار.

ومن المعروف ان التطبيق يختلف عمليا مع التخطيط النظري الذي يكون اقرب الى المثالية في أحيان كثيرة. وأول امتحان فعلي للقوات سيكون مع القاعدة القواتية التي شكلت الرافد الأساس لـ «النضال القواتي» طوال 15 عاما. وهي التي تأخذ من شعارات الحرب اكثر من السلم، وتغييرها لن يحدث ضمن منطق «كوني فكانت».

أما العلاقة مع «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه النائب ميشال عون فجيدة جدا بحسب سبيرو، وهو يشير الى ان الاختلاف مع «التيار» ليس على الجوهر، بل انه لا يتعدى طريقة التطبيق، فلكل فريق أسلوبه الخاص، معتبرا ان هذه المرحلة تتطلب الابتعاد عن التحدي والتشنجات وستبتعد «القوات» بالتالي عن النزول الى الشارع والتظاهر قدر الإمكان.

ينتظر القواتيون عودة جعجع المتوقعة أواخر الشهر الجاري لتحويل القوات الى مؤسسة فعلية بعدما دارت لسنوات طويلة في فلك المؤسس والقادة الذين تعاقبوا على خلافته. والأهداف كثيرة والتحديات اكثر. في حين يخالف حصاد البيدر حسابات الزرع أحيانا كثيرة.

مصادر
البيان (الإمارات العربية المتحدة)