يحرص المدافعون عن موقف طهران في التخصيب على إكساب حججهم نزعة عدالية، فيقال دائماً: لماذا لا يجوز لايران ما يجوز لاسرائيل والهند وباكستان، وبمعنى ما كوريا الشمالية التي هي لا معلقة ولا مطلقة؟

والسؤال عدالي فعلاً وعادل. لكن مجرد استثناء الدول الكبرى منه يضفي عليه نسبية ليست من الموضوع النووي. فهذا الأخير اطلاقي بطبيعته ومن حيث المبدأ، اما أن يُقبل امتلاكه من قبل أميركا وروسيا وانكلترا، كما الهند واسرائيل وايران، واما أن يُرفض.

واقع الحال ان إقراراً كهذا بالنسبي، أكان تمييزاً بين الدول لجهة قوتها أم تمييزاً بين المناطق وتركيزاً على أسلحة دمار في «منطقة» ما، يفتح باب الإقرار بنسبية أخرى. والمقصود هنا توازن القوى والسياقات الدولية والسياسية التي يُطرح في موازاتها الموضوع النووي. فاعتبار كهذا يقيم بعض الحد على العدالية الظاهرية للموقف الإيراني، مسلطاً الضوء على «السرية» التي اتسم بها سلوك طهران في السنوات الأخيرة، والتي بها تتذرع الولايات المتحدة وأوروبا.

ولنا أن نلاحظ، في المجال هذا، المطالبة الاجماعية التي صدرت عن مجلس أمناء «الوكالة الدولية للطاقة الذرية». ففي اجتماعهم الطارئ في فيينا الذي انفض قبل يومين، دعا هؤلاء ايران الى «تعليق سائر النشاطات المتصلة بالتخصيب»، وهو ما استأنفته طهران ضداً على الارادة الدولية. ولم يعد خافياً أن رفض الإذعان سيمهد لاحالة المسألة الى مجلس الأمن في ايلول (سبتمبر) المقبل.

ويبدو أن المعاندة الايرانية بدأت تزعج روسيا الموصوفة بأنها حليف ايران النووي. وقد ذهب البعض الى أن موسكو، التي حثت «حلفاءها» على التزام الموقف التفاوضي مع الاتحاد الأوروبي، قد تتبع سياسة ضغط منسقة مع الأوروبيين حيال جارها الجنوبي. فهي لئن تحمست للعمل مع طهران على توليد طاقة نووية ذات استخدام مدني، إلا أنها لم تتخل، أقله لفظاً، عن مطلب الاشراف الصارم لوكالة الطاقة على نشاطات ايران واستخداماتها.

وعلى جبهة أخرى، أبدت واشنطن «تفاؤلها»، قبل أيام قليلة، بمجريات التفاوض السداسي مع كوريا الشمالية، ولا يُفهم «التفاؤل» الذي أبداه كريستوفر هيل، معاون وزير الدولة الاميركي ومندوب بلاده الى مفاوضات بكين السداسية، في معزل عن دور كوريا الجنوبية: ذاك أن الأخيرة كانت أكدت مراراً استعدادها لدعم برنامج كوري شمالي سلمي شريطة ان يتخلى الشماليون عن سعيهم الى اكتساب الاسلحة النووية، وان يوافقوا على احترام معاهدة عدم التخصيب بالتوافق مع وكالة الطاقة. واذا كانت ايران التي جعلها ارتفاع العوائد النفطية تصم أذنيها عن مخاوف جوارها، فإن كوريا الشمالية لا يسعها عدم الإصغاء الى الجنوبيين. فهم، بعد كل حساب، من يتولى إعالة الشمال وتوفير تعويض جزئي عن القحط الذي أنزله بالبلاد النظام التوتاليتاري للكيمين الأب والابن.

فوق هذا، توافقت الهند وباكستان على الإخطار المسبق في ما خص اطلاق الصواريخ الباليستية، وشغّل البلدان «الخط الساخن» بين وزيري خارجيتيهما إحلالاً لقدر من الاستقرار في المنطقة. وتجيء الخطوة هذه، بعد التقارب في الموضوع الكشميري، رسالة أخرى للعالم بأن نيودلهي وإسلام آباد أعقل مما قد يظن.

ورسائل كهذه لا تبعث بمثلها طهران الى العالم، هي المتهمة بأنها تبني مع سورية و»حزب الله» اللبناني جبهة تبعث القلق في أوصال المجتمعات والاقتصادات، القريب منها والبعيد، والتي تحوّم الشبهات حول تهريبها اسلحة الى العراق، قبل ان تتبدد الشكوك التي تحيط برئيسها الجديد واحتمال مشاركته في الاستيلاء على السفارة الاميركية بطهران.

وهي لوحة داكنة لا يكفي لتبديد غيومها ان الولايات المتحدة كذبت في خصوص أسلحة الدمار المزعومة في العراق، أو أنها قد تكذب ايضاً في إيران.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)