الاسمنت الاسود هي مادة أساسية في أعمال البناء و الإعمار ( بناء مساكن – مصانع – منشآت حكومية – طرق – جسور – أنفاق ..... ) إذا حركة البناء و الإعمار في البلد كاملاٌ مرتبط ب /توفر هذه المادة/ و/ طريقة توزيعها/
و حين يكون هناك خلل ما في توفر هذه المادة أو في طريقة توزيعها تنشأ ( الأزمة ).

و الأزمة في سورية ضخمة جدا و تؤثر على شرائح كبيرة من المجتمع .. على البعض سلباٌ وهم أصحاب المنشآت و الحرفيون و بالتالي المواطن , وعلى البعض الآخر إيجابا و هم المتنفعون الفاسدون الذين يبحثون عن الأزمات و يختلقونها للإثراء غير المشروع .

يتم توزيع مادة الإسمنت في سورية عبر مؤسسة عامة تدعى ( عمران ) وهي ملزمة بتوفير هذه المادة عبر مصدرين داخلي ( مصانع الإ سمنت في سورية ) و خارجي عبر الإستيراد من الدول المجاورة في حال عدم كفاية المصادر الداخلية . ولكن نشأت الأزمة نتيجة وجود خلل في توزيع هذه المادة و ليس في توفرها وهذا الخلل في إدارة مؤسسة العمران و صيغة عملها المتحجرة , فهذه المؤسسة ( وهي مؤسسة وسيطة ) دورها أن تشتري الإسمنت الداخلي و الخارجي و تبيعه إلى أصحاب الفعاليات الإنشائية الخاصة و العامة .

نستشعر فشل هذه المؤسسة في القيام بدورها نتيجة توفر هذه المادة في الأسواق السوداء و بكميات كبيرة ومن المصادر الداخلية و لكن بأسعار تعادل ضعف سعر التوزيع الذي هو بالأساس غير عادل و مرتفع عن سعر هذه المادة في الدول الأخرى و لا يعكس الكلفة الحقيقية لهذه المادة , علما أن هذه المادة هي مادة استراتيجية ( كالنفط و الغاز و الكهرباء ... ) و عدم توافرها يؤثرسلباُ على حركة تطور المجتمع إذا علمنا أن 30 الى 40 % من القوة العاملة في المجتمع تعمل في قطاع الإعمار و ملحقاتها .

فبنظرة فطرية يستنتج المهتم بهذا القطاع من هو وراء خلق هذه الأزمة .

فوجود هذه الأزمة لم يأت عبثا فهناك كما ذكرنا المستفيدون من وجودها من العاملين في هذه المؤسسة و الذين وصل بهم الإثراء من هذه الأزمات الى حدود غير معقولة ومن خارج المؤسسة الذين يمنحون الإستثناءات ومن ورائهم من يغطيهم و يدعمهم ويثري من ورائهم و يقف حائلاً دون إستيراد هذه المادة للإبقاء على الأزمة .

وكل ذلك على حساب المتضررين وهم المواطن والوطن , فتلك الأزمة تؤدي الى عدة منعكسات :

- ارتفاع كلفة المنشآت ( مساكن – مصانع – منشآت عامة .... ) الذي يؤدي بدوره الى إرتفاع أسعار البناء بشكل عام .

- عند عدم توفر المادة أو توفرها بأسعار هائلة في السوق السوداء سوف يتوقف أصحاب المنشآت عن العمل و بالتالي سوف تتضرر قطاعات كبيرة من المواطنين ( حرفيون – عمال – منشآت المنتجات البيتونية ...) و بالتالي يؤدي الى إرتفاع أسعار البناء أيضا و يؤدي الى البطالة .

- على صعيد الوطن فإن الأزمة تؤدي الى تشويه سمعة البلد بشكل عام حيث تضاف هذه الآزمة المفتعلة الى الأزمات الإدارية الخانقة و الفساد الإداري والمالي و تخلف الأنظمة العمرانية و التخطيطية (الحصول على ترخيص لبناء منشأة أي كانت من الأعمال الإعجازية الكبيرة في سورية ) و تؤدي الى إحجام المستثمرين الداخليين و الخارجيين عن العمل في مجال الإعمار ولاسيما أننا في سورية بحاجة ماسة الى هؤلاء المستثمرين لدفع عملية التطور و ندعو بكافة الوسائل الى تشجيعهم و إزالة العقبات من أمامهم .

- من خلال هذه العقبات و منها أزمة مادة الإسمنت تخسر الدولة الكثير من مواردها من رسوم و ضرائب تُحصّل من خلال التراخيص الممنوحة .

مؤخرا سمحت الحكومة بإستيراد هذه المادة من الدول المجاورة للقطاع الخاص و لكن الإجراءات التنفيذية أزمة بحد ذاتها .. فشحنات الإسمنت تتوقف على الحدود وفي الموانىء وفي المناطق الحرة لعدة أيام قد تطول الى اكثر من شهر ( علما أن مادة الإسمنت ينتهي مفعولها بعد ثلاثة أشهر من تاريخ الصنع ) و ذلك لتخليص الإجراءات الجمركية و المالية , و قامت الحكومة بفرض ضريبة على الإسمنت الأسود المستورد للقطاع الخاص لا ندري ماذا نسميها قيمتها /1400/ ل س للطن فزادت في تراكم الأزمة . فهذا التأخير و هذه الإجراءات الجمركية و المالية أدت الى تأخر وصول المادة و توزيعها ضمن القطاع الخاص مما أدى الى عدم الثقة في صلاحيتها و أدى الى إحجام المقاولين عن إستخدامها , مما أدى الى تراكم الأزمة . يضاف الى ذلك عدم الرقابة على سعر المادة في الأسواق , فهي ترتفع أسعارها بإرتفاع المنتج الوطني في الأسواق السوداء و تنخفض بإنخفاضه .
وفي مايلي نلخص سبب الأزمة :

- عدم كفاية الإنتاج في أوقات زروة الإستهلاك ( فترة الصيف ) .

- وجود الوسطاء الغير منضبطين ( مؤسسة العمران – المستوردين ... ) .

- السوء في طريقة التوزيع والمعاملة .

- الأعباء المالية و الإدارية التي تفرضها الحكومة على الإستيراد .

- الهدر الكبير الذي يقع في الأبنية المخالفة و الذي تقوم البلديات بهدمه فتهدر مادة الإسمنت .
ونستخلص مما سبق بعض الحلول السريعة لتلافي الأزمة و الحلول المستقبلية للخلاص منها نهائياً :

- إلغاء دور السمسرة والوساطة – عامة كانت أو خاصة – و جعل هذه المادة حرة تماماً , فما الذي يمنع أي مقاول أن يذهب الى أي معمل اسمنت في سورية و يشتري المادة بموجب ترخيص البناء مباشرة دون الوكلاء والسماسرة , فهو حتما سوف يشتري ما يحتاجه فقط لأنه كما ذكرنا هذه المادة لها مدة صلاحية محدودة .

- تبسيط الإجراءات الإدارية والجمركية ( دون التغاضي عن مراقبة الصلاحية ) للمادة المستوردة .

- رفع الضريبة المالية المعيبة عن الإستيراد لأن الحكومة ملزمة بتأمين هذه المادة وحين عجزها يجب أن لا تضع شروطا تعجيزية على الناس وأن تعمل بما ألزمت نفسها به ( نظام السوق الإجتماعي ) ونحن لا نطالبها أن تدعم هذه المادة و إنما تحررها من سيطرة الأفكار المتخلفة الغير قادرة على مجاراة حاجات المجتمع .

- رفع جميع ماهو مفروض من قرارات إدارية و أوامر تنظيمية صدئة – الكتاب اللازم للحصول على كمية من الإسمنت يستلزم إجراءات هائلة و تواقيع يصل عددها من 16 الى 20 توقيع ويحتاج الى عدد غير محدد من الكشوفات و كتب المالية و النقابات الحرفية أو الهندسية و البلديات علما أنه كتاب خاص فقط بمن حصل على ترخيص بناء - تقف عائق أمام حصول المقاول أو المواطن على هذه المادة مباشرة من مصدرها.

- يجب على الحكومة وضع حلول علمية لا مزاجية لحل مشكلة المخالفات و لتحد من الهدر ( كل يوم يهدم مخالفات في مدينة حلب مثلا بما يعادل قيمة بناء مكون من عشرة مساكن ) .

- السعي الى وضع مخططات تنظيمية علمية .

- السعي الى إنشاء مصانع إسمنت جديدة لتغطية الحاجات المتزايدة للناس و في حال عجز الحكومة عن ذلك السماح بإنشاء مصانع خاصة .

يجب أن يوضع كل إنسان أمام مسؤولياته الحقيقية فمن يخطىء يجب أن يتحمل وزر خطئه و يحاسب محاسبة دقيقة لأنه يتلاعب و يتاجر بمأوى المواطن , وهذا المأوى ( المسكن – المصنع – الطريق .... ) هو حق من حقوق الإنسان الأساسية كفلها له الدستور السوري و القوانين الدولية و الشرائع السماوية .
و في النهاية نعود و نذكر أن مادة الإسمنت الأسود سعرها في الدول المجاورة ( تركيا – لبنان – مصر ..) بما يعادل /2000/ ل س للطن , تقوم المؤسسة العامة لتوزيع مواد البناء ( عمران ) بتوزيعها بسعر / 4200/ ل س للطن , و سعر الطن في السوق السوداء يتراوح بين /7600- 8000 / ل س . وكلفة إنتاج الطن لا تتجاوز /1000/ ل س .
فهل أصبح سعر التراب ( الإسمنت ) أغلى من سعر النفط .