حين تهافت عشرات سائقي الشاحنات بوجوههم المتعبة والقلقة في آن الى كاميرات التلفزيون للتعبير عن حالهم جراء الانتظار الطويل والمضني على الحدود اللبنانية السورية، تمنى أحد هؤلاء السائقين ان تتراجع حدة التصريحات الإعلامية لتخف معاناة السائقين بعد ان اقفلت السلطات السورية الحدود بوجه الشاحنات اللبنانية تحت ذرائع أمنية.

وتمني السائق وآخرين غيره ليس بدون مغزى، فالشكوى السورية من الاعلام اللبناني تكاد تكون الاعتراض الاول في الأزمة التي طرأت على العلاقات بين البلدين منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري قبل ستة أشهر.

وقد عبر مسؤولون سوريون كبار وفي أكثر من مناسبة عن انزعاجهم من صور ومواقف وتصريحات تبثها الشاشات اللبنانية وتنشرها الصحافة في هذا البلد باعتبارها «معادية» بحسب التفسير السوري الرسمي لها. وكان لافتا ان يصرح المسؤول عن القوات السورية في لبنان العميد رستم غزالة قبل انسحاب قوات بلاده من لبنان بأن الاعلام تجنى عليه وتجنى على سوريا.

والامتعاض السوري من الاعلام اللبناني هو موضوع قديم سبق رستم غزالة الذي كان له ولمن سبقه في موقعه في لبنان نفوذ واسع على مجموعة من الصحافيين وبعض وسائل الاعلام، ومن خلال هذا النفوذ خاض النظام السوري حملات سياسية ضد شخصيات في الداخل والخارج.

منذ الستينات كانت الدولة السورية تعتب على الدولة اللبنانية من تصرفات ومواقف الاعلام في لبنان، وهو في معظمه غير رسمي على عكس الاعلام السوري الممسوك بكامله من حزب البعث الحاكم. وهنا يبدو ان عددا من المسؤولين يتجاهلون حقيقة ان وظيفة الاعلام ليست فقط التعبير عن رأي الدولة ورئيس الجمهورية، فمن اهم ادوار الاعلام عكس مختلف الحيويات والآراء داخل المجتمع مهما كان الموقف منها.

الغريب في المبالغة في اتهام الاعلام هو استجابة بعض الاطراف اللبنانية وكأن هناك اعترافا بأن المشكلة هي في الاعلام وليس في السياسة. وكأن المطلوب هو انتقاد وظيفة الاعلام والحد من دوره بدل مطالبة الدولة السورية بتوسيع هامش الحريات الاعلامية وعدم الهرب من هذا المطلب باتجاه التنقيب عن اخطاء الاعلام الغربي واجراء دراسات مستفيضة عن انحياز هذا الاعلام الى اميركا واسرائيل!!..

مثل هذه المحاولات لن تجدي نفعا في عصر الانترنت والفضاء المفتوح. وليس من حق اي صحافي أو اعلامي ان يقول انه «يهدي» مسؤولين لبنانيين هدنة اعلامية مع سوريا كي يتمكنوا من حل الازمة بين البلدين. انه نوع من عرض العضلات غير المجدي. فليس الاعلام هو المشكلة مهما ادعى البعض ذلك ومهما جنح بعض هذا الاعلام في مواقفه.

حيوية التعبير عن الرأي ميزة لا ينبغي التفريط فيها تحت اية ذرائع قومية ووطنية لا تهدف إلا الى طمس الاختلاف والاعتراض.

الاعلام عموما والاعلام اللبناني خصوصا مسألة اعقد من هدنة هشة عابرة، والازمة اللبنانية السورية لا تحل سوى عبر مواقف صادقة وحرة.. أما اللغة المتحجرة فقد أفل زمنها.

مصادر
الشرق الأوسط (المملكة المتحدة)