دخل التصعيد الأميركي ـ الأوروبي باتجاه سوريا وإيران مرحلة متقدمة من مراحل الخطط المرسومة مسبقا بالتوجه نحو إسقاط نظامي الحكم في هاتين الدولتين..

إذ لم يبرح المسئولون الأميركيون والبريطانيون ومعهم العراقيون سواء في مؤتمراتهم الصحفية أو لقاءاتهم الجانبية من كيل الاتهامات ضد سوريا بأنها لم تضبط حدودها مع العراق وتمنع عمليات التسلل، معتبرين أن معظم المقاتلين والسيارات المفخخة والقنابل المستخدمة عبر الحدود السورية.. ومحملين إياها مسئولية عمليات التفجير والهجمات التي تودي بحياة العشرات يوميا من عراقيين وأميركيين.. مع أن سوريا من جانبها أكدت أنها تبذل قصارى جهدها لضبط الحدود.. وأعلنت على لسان نائب وزير خارجيتها وليد المعلم اعتقال 1240 عابرا للحدود وترحيلهم إلى بلدانهم. ولا تزال دمشق تناشد واشنطن ولندن بالتعاون معها حيث إن الحدود مع العراق طويلة وتحتاج إلى إمكانات بشرية ومادية وتجهيزات ومعدات هائلة حتى يتم ضبط تلك الحدود مائة في المائة، وتلك المناشدات لم تحظ بالقبول والرضوان من مطلقي تلك الاتهامات.. فإلام يشير هذا الرفض الأميركي البريطاني في التعاون مع سوريا؟

وفي هذا المقام تشير التقديرات إلى أنه يوجد حاليا حوالي أحد عشر مليون مهاجر مكسيكي داخل الولايات المتحدة ويعملون في المهن التي يترفع عنها الأميركيون، كما أنهم يمثلون أيدي عاملة رخيصة.. كما تشير التقديرات إلى أن حوالي أربعة آلاف عابر للحدود يحاولون دخول أراضي الولايات المتحدة يوميا ويتم صد ثلاثة آلاف أي يتمكن ألف من الدخول مع أن السلطات الأميركية تنشر على طول الحدود نحو عشرة آلاف شخص.. فضلا عن المواجهات المسلحة التي تنشب بين المتسللين وعناصر الأمن.

فقبل أسبوعين تقريبا حصلت اشتباكات عنيفة على الحدود الأميركية ـ المكسيكية بين عصابات مخدرات استعملت فيها نيران البازوكا والقنابل اليدوية والمدافع الرشاشة اضطر على أثرها السفير الأميركي توني جارزا إلى إغلاق القنصلية في مدينة نوفو لاريدو التي تبعد عن الحدود حوالي 900 كيلو متر لمدة أسبوع رافضا فتحها حتى يتحسن الوضع الأمني.. وداعيا المكسيك إلى السيطرة على الوضع بسرعة. وردت المكسيك بشكل (غاضب) على تصريحات السفير قائلة: إن كلا من الدولتين عليها مسئولية مكافحة جرائم المخدرات. وقالت وزارة الخارجية المكسيكية في بيان: البيانات العلنية المتكررة الصادرة عن السفارة الأميركية في المكسيك عن الوضع الحدودي لا تساعد بأي حال الجهود الثنائية لإنهاء جرائم الحدود.

وهكذا وضع يشير إلى مدى عجز الولايات المتحدة عن ضبط حدودها على الرغم من التقدم العسكري والتكنولوجي والتقني الكبير الذي وصلت إليه.. فهل بعد هذا تلام سوريا ذات الإمكانات المتواضعة لعبور شخص أو شخصين أو حتى عشرات الأشخاص حدود العراق .. ربما لزيارة عائلية؟

في تقديري أن المسألة تنطوي على أهداف أبعد مستترة خلف هذه الاتهامات، تجعل واشنطن ولندن تؤثران كيل الاتهامات لدمشق على اللجوء إلى وسيلة مشتركة يتم بها معالجة الوضع، في وقت تتصاعد فيه الدعوات في الولايات المتحدة لوضع جدول زمني لسحب القوات من العراق وتخفيض عددها تدريجيا، فضلا عن المظاهرات التي ينظمها أقارب الجنود بدءا من البيت الأبيض وحتى مزرعة الرئيس الاميركي جورج بوش للمطالبة بعودتهم، كما أن غالبية الأميركيين في استطلاعات الرأي يشيرون إلى أن رئيسهم خدعهم بأسباب الحرب على العراق وأنهم باتوا يفقدون الثقة فيه. أما الحال في بريطانيا فهو الآخر لا يقل شأنا عما هو عليه في الولايات المتحدة حيث إن غالبية البريطانيين بدأوا يربطون الهجمات الأخيرة على شبكات النقل في لندن بالحرب على العراق وأن سياسات رئيس حكومة بلادهم هي التي جرت عليهم هذه المآسي نتيجة التبعية غير الواعية وغير المتيقظة لحسابات المستقبل.

وبالتالي ـ من وجهة نظري ـ يمكن أن يكون أحد الأسباب التالية أو بعضها أو كلها هدف عدم التعاون مع سوريا وصب الاتهامات ضدها:

أولا: إبقاء الضغط على سوريا بالوعد والوعيد وتضييق الخناق عليها من أجل إجبارها على الرضوخ لبيت الطاعة الأميركي أو (بالأحرى الإسرائيلي) وترويضها تمهيدا للمشاركة في تنفيذ الرغبة الأميركية ـ الأوروبية في نزع سلاح حزب الله ثم الدخول في تسوية مع إسرائيل يمكن معها أن تقدم تنازلات عن تلك التي كانت تعتبر خطوطا حمراء كأراض من الجولان وبحيرة طبرية، وربما تكلل باتفاقية سلام بعد ذلك.

ثانيا: وهذا مرتبط بما قبله وهو بعد أن يتم حرق ورقة حزب الله من يد سوريا ستتجه المحاولات إلى فك الارتباط الإيراني ـ السوري الذي تم التوصل إليه في الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد لإيران حيث تم الاتفاق بين الرئيسين الإيراني محمود أحمدي نجاد والسوري على مواجهة التهديدات الخارجية لبلديهما.. وهذا يتحتم على مدى التنبه السوري لمثل هكذا مكايد.

ثالثا: شعور المسئولين الأميركيين فعلا أنهم قد أوقعوا أنفسهم في المستنقع العراقي وأن قواتهم تواجه حرب عصابات ومقاومة غير عادية قادرة على التكيف مع كل الأوضاع والتنويع في أساليب الهجوم، حيث سقوط قتلى الجنود الأميركيين آخذ في الزيادة، وبالتالي حتى يتم تخفيف ضغوط الرأي العام الأميركي والمعارضة الديمقراطية التي يتزعمها النواب الديمقراطيون في مجلسي الشيوخ والنواب على إدارة بوش كان لا بد من تعليق هذه الإخفاقات على المشجب السوري ومعه الإيراني، ويعضد هذا السبب أيضا الضغط الأميركي البريطاني المكثف على المسئولين العراقيين للإسراع في إعداد الدستور وتنظيم انتخابات قبل نهاية هذا العام.. لأن المسئولين في الإدارة الأميركية يعتقدون أن تحقيق التقدم في الجانب السياسي يخفف من وطأة هجمات المقاومة.

رابعا: النجاح في إسقاط حزب البعث في العراق يدفع باتجاه إسقاط نظيره في سوريا، عملا بنصيحة مدير المخابرات المركزية الأميركية الأسبق جيمس وولسي الذي حصر الأعداء في العالم في ثلاثة: حزب البعث في العراق وسوريا والإسلام (المتطرف أو الأصولي) وإيران، وفي اعتقادي ما هذه الاتهامات ضد سوريا بالإضافة إلى تهم أخرى كدعم حزب الله والفصائل الفلسطينية (المصنفة أميركيا كمنظمات إرهابية) إلا مقدمة بحيث يتم توظيفها مستقبلا لإثارة الشعوب الغربية وتحديدا الشعب الأميركي بدعوى أن النظام في سوريا كان سببا في قتل مئات من أفراد الجيش الأميركي ومأساة آلاف العائلات التي فقدت أفرادها لتساهله أو ربما تشجيعه المسلحين على دخول العراق.. وعندما تحين ساعتها من المؤكد أن الآلة الإعلامية الجبارة لن تتوانى عن العمل على تزييف الوعي البشري وتشكيله بحجة ضرورة تخليق غرائز جديدة حسنة تجنح نحو السلام وغير شريرة، كتلك التي تم تخليقها في العراق.

ولو لم يكن أحد هذه الأسباب وراء تفضيل الاتهامات لهبّت أميركا وبريطانيا إلى التعاون مع سوريا لضبط الحدود.

مصادر
الوطن (عمان)