مواعيد حاسمة في الشرق الأوسط... وصيف ساخن في "كروفورد"!

ما العمل للجم طهران عن الاستمرار في مساعيها لتطوير برنامجها النووي؟ وكيف يمكن جعل الانسحاب الإسرائيلي من غزة بداية لعملية سلام حقيقية؟ وما هي الخيارات المتاحة أمام الرئيس بوش للتكيف مع هذا الصيف الساخن في أكثر من منطقة؟ ثلاثة أسئلة نسعى للإجابة عليها في جولة سريعة في الصحافة الفرنسية.

تحدي طهران الأخير

الكاتب دومينيك لاغارد اختار هذا العنوان لعموده في مجلة الإكسبريس وفيه تحدث عن تداعيات إعلان إيران العودة إلى تفعيل برنامجها النووي على نحو يصطدم مع اتفاقاتها السابقة مع الترويكا الأوروبية، ومع رغبة واشنطن والمجتمع الدولي عامة. ويرى لاغارد أن التحدي الإيراني الأخير، وبالطريقة الاستعراضية التي تم إخراجه بها، رداً على العرض الأوروبي، كان نوعاً من محاولة رفع سقف المزاد، ربما لتنال طهران تنازلات أخرى، أو لزيادة حبات الجزر الممدودة لها من قبل الأوروبيين في مسعاهم المستميت لتطويق هذه الأزمة منذ أكثر من عام. أما لوفيغارو فقد نشرت افتتاحية بالعنوان نفسه:"التحدي الإيراني"، وفيها استعرضت الصحيفة دلالات هذا الخيار السياسي الإيراني وأسبابه مبرزة بشكل خاص مصاعب واشنطن في العراق، وصعود أسعار النفط العالمية إلى أرقام قياسية ما يجعل فرض حصار دولي على طهران نوعاً من معاقبة الذات إن اتخذته الدول الغربية الصناعية بشكل خاص. أما عن المطلوب الآن لمواجهة طهران فتختم لوفيغارو بالقول إنه لم يبق للدول الغربية سوى أن تبقى متحدة في الموقف وفي التصميم، لأنه لا خيار سياسياً لها سوى العمل للجم نظام طهران عن الوصول إلى امتلاك أسلحة نووية.

غزة... بانتظار الواقعيين

ماريك هالتر كتب مقال رأي في صحيفة ليبراسيون تحدث فيه عن مضاعفات انسحاب إسرائيل من غزة، مبرزاً بوجه خاص العوائق التي تحول دون إتمام هذه العملية من جهة والنتائج المنتظرة في مرحلة ما بعد الانسحاب نفسه. ويركز الكاتب في مقاله، متحدثاً عن العوائق، على مفارقة توظيف الدين من قبل جميع الأطراف في صراع الشرق الأوسط، لإعطاء شرعية لتوجهاتها وإيديولوجياتها، ولمصالحها أيضاً. فشارون يزعم أنه سيخرج من غزة لأسباب توراتية، والمستوطنون يرفضون إخلاء منازلهم زاعمين أنهم يستندون أيضاً إلى التوراة. والفصائل الإسلامية الفلسطينية تبني رفضها للعملية برمتها على أسس دينية كذلك. وهكذا، تمثل المعتقدات والتأويلات الدينية، والتأويلات المضادة لها، عقدة حقيقية في مسار عملية التسوية في الشرق الأوسط. وبغض النظر عن هذه المفارقة فإن الدين وتأويله ليس عائقاً في سبيل السلام في حد ذاته، بدليل أننا نرى الآن كيف يتم تجاوز الاختلاف التاريخي في أيرلندا بين البروتستانت والكاثوليك لتبدأ عملية السلام هناك، ونفس الشيء بالنسبة للسودان. ومعنى ذلك في النتيجة أن ما تحتاجه المنطقة هو الرجال الواقعيون الذين يبحثون للصراع عن حلول في الواقع لا في صفحات التوراة. وفي سياق ذي صلة كتب رولان هيرو مقالاً في صحيفة لوفيغارو تحدث فيه عن ضرورة تحديث وعصرنة قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي، مشيراً في نفس الوقت إلى العوائق الكثيرة التي تنتظر حكومة الرئيس عباس في هذا المجال، وأولها ارتفاع نسبة المواليد والانفجار السكاني في قطعة صغيرة من الأرض تعاني من أكبر نسبة في العالم من الكثافة السكانية.

صيف بوش الحاسم

هذا هو عنوان افتتاحية كتبها بيير روسلين في صحيفة لوفيغارو، استعرض فيها حزمة التحديات التي تواجه الرئيس الأميركي الآن والتي أدت مجتمعة إلى إضعاف موقف البيت الأبيض وتدني شعبية ساكنه في عيون الناخبين الأميركيين إلى أقصى حد منذ بداية ولايته الرئاسية الثانية. وفي مقدمة تلك التحديات طبعاً تأتي النقطة الحرجة التي وصلت إليها عملية السلام في الشرق الأوسط، فعلى رغم حلول موعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة بعد أسبوع تقريباً فإن موافقة الرئيس بوش لأرييل شارون في توجهاته وتقديمه له الضمانات بعدم إلزامه بالانسحاب إلى حدود 1967، كل ذلك جعل قدرة بوش على المناورة وعلى الضغط في سبيل فرض تسوية ما تتضاءل، بشكل واضح. وقصارى ما يستطيع الدور الأميركي بلوغه اليوم في عملية سلام غزة هو التنسيق بين مختلف الأطراف من إسرائيليين وفلسطينيين ومصريين في انتظار حلول موعد الانسحاب، وهو دور مهدت له وزيرة خارجية بوش كوندوليزا رايس، ويقوم به بهمَّة مبعوثه الخاص في غزة الجنرال ويليام وارد. ولا يقل التحدي العراقي تعقيداً عن سابقه، حيث سينتهي موعد كتابة الدستور غداً الإثنين، وليس ثمة ما يدعو إلى الاعتقاد بأن التوافق سيحل قريباً أو فجأة بين السنة والشيعة والأكراد حول المسائل المختلف عليها، بل على العكس تزداد فرص نشوب حرب أهلية يسعى بوش جاهداً لتجنبها، وبالتالي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعه في بلاد الرافدين. ويرى روسلين أن غاية ما أصبح الرئيس الأميركي يريد الوصول إليه الآن هو دفع الأطراف العراقية للوصول إلى مقايضة أو حل وسط، يحول دون تفاقم الوضع إلى نزعات انفصالية، ويقضي في نفس الوقت على القوى المسلحة المناوئة للعملية برمتها، لتخفيف الضغط على الجيش الأميركي الذي فقد منذ بداية أغسطس الجاري 35 جنديا. ثم يأتي تحدي التململ الداخلي الأميركي، وأسعار النفط المرتفعة، وأداء الاقتصاد، وغيرها لتجعل شعبية بوش في حالة سقوط حر داخل الولايات المتحدة نفسها، حيث كشف استطلاع لشبكة "سي إن إن" التلفزيونية أن 54% من الأميركيين يعتقدون الآن أن حرب العراق كانت خطأ، في مقابل نتيجة الشهر الماضي التي عبر فيها 53% عن العكس، أي أنها لم تكن خطأ. وأخيرا يأتي التحدي النووي الإيراني والكوري الشمالي، وغير ذلك من أخبار غير سارة، لتنال هذه الرزمة من التحديات من رصيد بوش السياسي ولتزيد حرارة صيفه الساخن أصلاً ما دام يقضيه في مزرعته الخاصة بكروفورد في قيظ تكساس.

مصادر
الاتحاد (الإمارات العربية المتحدة)