يتوقع المتابعون للشأن الاسرائيلي في كل مرة يتعرض فيها العرب الفلسطينيون في اسرائيل لعملية إجرامية أو تنكيلية عنصرية أن يسلك الأعلام الاسرائيلي المرئي والمكتوب بموضوعية تستند إلى الحقيقة وجباية المعطيات الصحيحة، لكنها في كل مرّة تخيّب أملهم، فنراها تصنع خبرا مبنيا على معطيات خاطئة وتهتم إحيانا وفي لحظات التسابق الاعلامي وخوفا من هبوط نسبة المشاهدة بتزييف الحقائق والتحريض وإختيار موقف الشارع الاسرائيلي المتميز بالعدائية والكراهية للعرب، اذا نحن أمام مؤسسة إعلامية إسرائيلية إختارت مناصرة الموقف الرسمي للحكومة الاسرائيلية أو على الاصح الموقف الراهن للحركة الصهيونية الذي يتراوح بين العدائية للعرب وبين إختيار موقف "التوازن" الاعلامي وبناء معادلات "ترضي القارئ" مثل إنتقاد التطرف اليهودي والتطرف العربي ومدح المعتدلين من الطرفين، لكن هذا لا يعني أن الساحة الاعلامية الاسرائيلية تخلو من الصحفيين الاسرائيليين الذين يتميزون في كتاباتهم بالجرأة وفضح الحقيقة وفضح سلوك بعض وسائل الاعلام تجاه العرب، كما أن هناك بعض كتاب الرأي الذين يجتهدون كثيرا للتأثير على صياغة الرأي العام الاسرائيلي لكن دون جدوى أمام طغيان الاعلام الاسرائيلي المرئي المتمثل بالقناة الاولى الرسمية والثانية والعاشرة، فالاخيرة مثلا قامت بعرض شريط يبيّن الارهابي نتان زادا حيا بعد جريمته لتحوّله الى ضحية ..

أسوق هذا الكلام بعجالة كي نوّضح للقارئ موقف الاعلام الاسرائيلي من كل حدث قد يطرأ في أوساط العرب في الداخل، وهناك العديد من القراءات التي تكشف صياغة المواقف في الصحف الاسرائيلية، أهمها ما كتبه أهرون ليفيو في مجلة "العين السابعة" الاسرائيلية المختصة بشؤون الاعلام فقد كتب دراسة بعنوان "قراءة سيستيماتية لموقف هآرتس بعد الانتفاضة" رصد خلال القراءة الإفتتاحيات ومقالات الرأي وكشف فيها تأثير الشارع على الاعلام وليس العكس ..

السؤال المطروح الآن: لماذا نلوم الصحف الاسرائيلية ونتوقع منها الموضوعية والمهنية الصحفية؟ وهذا السؤال الذي لم يسأله الصحفي تسفي بارئيل الخبير في الشؤون العربية في هآرتس اليوم 12-8-2004 لكنه يشتم من مقالته بعنوان " عرب اسرائيل لا يثيرون إهتمام أي شخص"، كأن بارئيل أراد أن يقول:" لنا لماذا تلوموا الصحافة الإسرائيلية ؟يجب توجيه اللوم أولاً للإعلام العربي". فقد لفت إنتباهنا أن فضائيات "الجزيرة" و"العربية" لم تلاحقا الخبر حالة وقوعة باهتمام بالغ، يقول بارئيل" لقد وعدت مذيعة الجزيرة في نشرة الاخبار "حصاد اليوم" العودة الى النائب جمال زحالقة الذي تواجد في شفاعمرو خلال النشرة عندما إنقطع البث قبل إجابته على السؤال الثاني، لم تكن عملية شفاعمرو الخبر الرئيسي، انما كانت الخبر الرابع من ناحية الاهمية ".

ويضيف بارئيل "من الصعب ان تشتكي على الجزيرة خاصة وأن فضائية العربية استمرت بكل نشراتها بعرض سيرة حياة الملك فهد، وتحّول القتل في شفاعمرو الى خبر قصير بدون تعليقات ومقابلات، الدراما في شفاعمرو كانت تشبه جريمة قتل محلية لا تثير الاهتمام في وسائل الاتصال الالكترونية "، ويضيف ساخرا " مرة أخرى يهودي يقتل عربا، ليس مجرد عرب، "عرب 48 " كما تسميها الصحافة العربية ".

" في اليوم التالي للجريمة، يوم الجمعة، جاء دور الصحافة المكتوبة، صحيفة الحياة الصادرة في لندن نشرت خبرا قصيرا على صفحتها الأولى وهكذا أغلبية الصحف في الدول العربية، وفي يوم السبت نشرت الصحف تقارير عن تشييع الجنازات لكن لم يكن مقال رأي واحد، لا في مصر أو لبنان، لا في قطر أو تونس، شفاعمرو وعرب اسرائيل ليسوا جزءاً من الموقف العربي حتى الآن ".

يتابع بارئيل " في يوم الاحد فقط، ثلاثة أيام بعد الحدث، رأينا إفتتاحية في "الأهرام" ومقالي رأي في "الدستور" الاردنية، في دول الخليج لا شيء ".
"ألهذه الدرجة لا يثير عرب اسرائيل الاهتمام؟ " يتساءل بارئيل ويضيف: " افتتاحية "الاهرام في شأنهم كانت ملائمة أكثر لصحيفة أسرائيلية بدل الدفاع بقوة عن الأخوة في اسرائيل "، يقول بارئيل أن الاهرام اكتفت بالمطالبة بمحاكمة من يقف وراء هذا المجرم وتساءل مرة أخرى أين "الحماس" المعروف عن هذه الصحيفة التي طالما إتهمت الصهيونية، ارييل شارون، أو المستوطنين أو مجرد جمهور يهودي في اسرائيل"، وأضاف أن الاهرام حذّرت من خطورة العملية في شفاعمرو ونزع فتيل التطرف، وأن عمليات من هذا النوع تهدف لمنع الانسحاب وتضرب "جهود السلام المبذولة" وتشجع المتطرفين من الطرفين على ارتكاب عمليات من هذا النوع لمنع عملية الانسحاب.

ينوه بارئيل ان كاتب الافتتاحية هو رئيس التحرير الجديد للاهرام اسامة سرايا الذي كان يرئس أسبوعية "الأهرام العربي" و"المعروف بكتاباته المسمومة عن اسرائيل "، يمتدح الصحفي الاسرائيلي الاهرام لانها قامت بالكتابة عن الموضوع أما باقي الصحف الحكومية وصحف المعارضة فلم تكتب عن الموضوع افتتاحية أو مقالة رأي.

لماذا لا يثير عرب اسرائيل اهتمام الجمهور في الدول العربية؟ لماذا لا ينتقل العرب في اسرائيل الى واحدة من 22 دولة عربية (السؤال اليهودي وفق بارئيل )، أجوبة لهذا النوع من الاسئلة تستطيع ان تجد في مواقع التشات أو المنتديات العربية، اسئلة تشير الى الجهل في الموضوع.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)