أثار اعلان رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، رداً على سؤال اعلامي، ان رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ديتليف ميليس سيطلب من الأمين العام للأمم المتحدة ثلاثة او ستة اسابيع اضافية حداً أقصى لاكمال مهمته بدءاً من 15 أيلول المقبل، تساؤلات كثيرة عن اسباب هذا الطلب. البعض منهم عزاه الى حاجة اللجنة الى مزيد من التحقيقات وتالياً المعلومات كي تتمكن من وضع تقرير شاف وواف اذا جاز التعبير على هذا النحو يكشف حقيقة الجهة التي اوعزت بقتل الحريري والجهة التي خططت لتنفيذ عملية القتل والجهة او الجهات التي نفذت. وبرر الحاجة المذكورة بعدم نجاح ميليس او محققيه على الأقل حتى الآن في استجواب او في الكلام المباشر على الاقل مع مسؤولين امنيين سوريين كانوا يعملون داخل لبنان اثناء حصول الجريمة وبررها ايضاً باقتناعهم (أي ميليس ومحققوه) بأن الاستجواب او الكلام في موضوعات كهذه لا يتم بالواسطة ولا بالكتابة. وهو أمر حصل كما اشارت الزميلة "السفير" السبت الماضي وذلك بارسال لجنة التحقيق اسئلة خطية الى هؤلاء المسؤولين الامنيين غير اللبنانيين بواسطة قنوات ديبلوماسية دولية وبحصولها على اجوبة عبر القنوات نفسها. والبعض الآخر منهم عزا طلب تمديد المهلة من ثلاثة اسابيع الى ستة، الى حرص المجتمع الدولي الذي يتم التحقيق بطلب منه والذي تتزعمه هذه الأيام الولايات المتحدة وعدد من الشركاء الاوروبيين على اقناع سوريا، وبعد وصول التحقيق الى مراحل متقدمة جداً، باتخاذ قرار واضح وجدي بالبحث في تلبية عدد من المطالب التي وجهها اليها المجتمع المذكور في مقابل ليس رفع مسؤوليتها عن جريمة الاغتيال بل جعل هذه المسؤولية غير مباشرة وخفض مستوى التورط فيها بحيث ينحصر في افراد ولا يطال الدولة او النظام. اما البعض الثالث من الناس فقد عزا طلب التمديد نفسه الى رغبة دولية وأميركية في اعطاء سوريا فرصة لحوار جدي مع واشنطن يتم خلاله الاتفاق على كل القضايا المختلف عليها بدءاً من لبنان ومروراً بالموضوع الفلسطيني وانتهاء بالعراق، وفي الوقت نفسه على صيغة مستقبلية للعلاقة لا تؤدي او لا تطيح الواقع الجديد الذي شهده لبنان منذ 26 نيسان الماضي.

أي من هؤلاء الثلاثة اقرب الى الحقيقة في معرض "تبرير" اقدام ميليس على طلب تمديد مهمة لجنة التحقيق الدولية ثلاثة او ستة اسابيع اضافية؟

الجواب عن هذا السؤال يجب ألا يكون تحليلاً. فالناس شبعوا تحليلات بريئة كانت او موجهة. وما يحتاجون اليه هو المعلومات. فهل هناك معلومات متوافرة عن هذا الموضوع؟ تقول جهات تواكب عن قرب لجنة التحقيق وتتابع عملها البعيد في معظمه عن الاضواء ان المعلومات المتوافرة عندها عن هذا الموضوع تشير الى الآتي:

– ان اعلان مضمون التقرير الذي ستضعه لجنة التحقيق والذي سيرفعه رئيسها ميليس الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يرجع الى الاخير وليس الى أي شخص آخر. فهو الذي يقرر فور اطلاعه رسمياً عليه اذا كان سيعلنه او سينشره سواء جزئياً أو كلياً او اذا كان سيبقيه سرياً أي موضع تداول فقط من دول مجلس الأمن ولا سيما صاحبة العضوية الدائمة فيه. علماً ان ذلك لن يمنع تسريب بعض فقراته او اشاراته او اجزاء منه الى وسائل الاعلام.

– نجح ميليس ومحققوه في الحصول على ادلة صلبة Solid Evidence عن الذين ارتكبوا جريمة الاغتيال وخططوا لها وربما الذين قرروها. الا انه آثر عدم التسرع في انهاء مهمته بوضع تقريره النهائي قبل استئناف كل المساعي الممكنة بغية استكمال التحقيق مع اشخاص لا يزالون بمنأى عنه وخصوصاً من غير اللبنانيين.

– حصل ميليس ولجنته على افادات خطية من جهات رفيعة جداً قد تكون دولية تضمنت موجزاً او مختصراً لاحاديث تبادلتها مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري قبل قتله. ويبدو ان فيها معلومات خطيرة او مثيرة.

– ابدى عدد من الذين ادلوا بشهاداتهم الى ميليس ومحققيه استعداداً للتخلي عن السرية في هذا الموضوع اذا كان ذلك يخدم التحقيق رغم اخطار كشف هويتهم.

– استمعت لجنة التحقيق في عاصمة أوروبية أو أكثر الى أكثر من مسؤول سابق غير لبناني.

هل تكرس نتائج التحقيق الدولي بعد انتهائه الشبهات حول مسؤولية جهة اقليمية معينة عن اغتيال الحريري جزئياً او كلياً والتي اثارها كلام نقل على لسان ميليس او تسريبات بعض محيط لجنة التحقيق؟ أم تزيلها؟

لا يمكن أحداً ان يجيب عن هذا السؤال الآن لأن المعلومات المفصلة اعلاه وغيرها والمتداولة في الصحف ووسائل الاعلام وفي الأوساط السياسية والديبلوماسية تبقى جزئية وغير مكتملة اياً تكن درجة صدقيتها. والاجتزاء في هذا الموضوع يمكن ان يقود الى استنتاجات خاطئة. وهذا الواقع يثير سؤالاً آخر هو الآتي: ماذا يحصل في البلاد اذا وجه التقرير الدولي بعد انتهائه اصابع الاتهام الى جهات اخرى غير الجهة المتداول اسمها حالياً واكتفى بتحميل الاخيرة مسؤولية الاهمال؟

ماذا سيفعل لبنان واللبنانيون في انتظار تقرير ميليس ولجنته الدولية أو "قنبلته"؟

اللبنانيون سيواصلون عيشهم في حال من القلق والخوف بل ربما من الرعب خوفاً من مضاعفات نتائج التقرير او من مضاعفات محاولات استباق هذه النتائج. اما الدولة فستبقى مشلولة برئيس جمهوريتها الممدد له اميل لحود وبحكومتها الجديدة. فالاخيرة مع الغالبية النيابية والشعبية التي تستند اليها لا تتصرف انطلاقاً من ان تغييراً ما قد حصل في لبنان او انطلاقاً من اقتناع بحصول تغيير كهذا. ربما لأنها تحاول تلافي الأسوأ. والأول أي الرئيس وحلفاؤه يستفيدون من "حكمة" الحكومة او من عدم اقدامها او ربما من خوفها لتعزيز مواقعهم في المواجهة الدائرة حالياً في لبنان وعليه بين الداخل والداخل وبين الخارجين الاقليمي والدولي والتي لا يعرف أحد موعد انتهائها سلباً او ايجاباً. علماً ان ما يرجّحه كثيرون هو انها قد تكون المواجهة النهائية اياً يكن الوقت الذي ستستغرقه.

مصادر
النهار (لبنان)