ما من شك في أن الجيش الإسرائيلي سبق له أن واجه تحديات عملانية أصعب من تنفيذ خطة فك الارتباط. فحملة السور الواقي التي شنت قبل نحو ثلاث سنوات ونصف، على سبيل المثال لا الحصر، لم تكن أقل تعقيداً لا بل كانت أكثر خطورة بالنسبة للجنود، زد على ذلك الحروب العديدة. ومع ذلك، ليس مبالغة القول أن الجيش الإسرائيلي يقف في الأسابيع القادمة أمام اختبار وجودي. فثمة خطر غير معروف وخطير يحلق في الأجواء ـ الانهيار الداخلي.

الأمر الذي من شأنه التسبب بهذا الانهيار هو بالطبع حقيقة ان الجيش الاسرائيلي تسلم مهمة هو غير مهيأ ولا مؤهل لها: اخلاء يهود من بيوتهم. فليس من السهل على الجيش المعتاد تحديد العدو على الخارطة باللون الأحمر أن يتصدى تحديداً لخصوم يسمون "الأخوة" من قبل القادة. فالصعوبة المنطقية تصبح خطيرة بشكل خاص إذا أخذنا في الاعتبار أن فتيان الصهيونية الدينية احتلوا في السنوات الأخيرة عدداً لا يحصى من المواقع الرئيسية في الوحدات الميدانية انطلاقاً من الشعور الرسالي الذي تعبأوا به خلال دراستهم في الكليات ما قبل العسكرية. وقبل سنة ونصف جاء في تقرير نشرته معاريف أن معتمري القبعات المطرزة (التي يعتمرها اعضاء التيار الديني ـ الصهيوني) يحتلون بقدر كبير مكان أبناء الكيبوتسات والمدن في الوحدات المحاربة.

ومع أن الجيش الإسرائيلي يستفيد من الروح التطوعية لهؤلاء، إلا أن قادة الجمهور الديني ـ القومي أطلقوا النار على أرجلهم عندما دعوا الى رفض الأوامر العسكرية من خلال هؤلاء الجنود المنقسمين الآن بين الحاخامات وبين القادة العسكريين.

على خلفية حملة رفض الأوامر العسكرية، بدأ الجيش الإسرائيلي إحصاء عدد الرافضين الرسميين للأوامر من بين صفوف اليمين، والذي تجاوز المئة في الآونة الأخيرة. بيد أن كل من يتجول بين الوحدات المحاربة التابعة للجيش الإسرائيلي يعرف أن الحقيقة أسوأ بكثير، لأن هناك حالات كثيرة أخرى من الرفض تسمى "رمادية". وهي حالات تنازل فيها القادة ببساطة أمام الجنود بغية عدم الدخول في مواجهة معهم.

على الرغم من ذلك فإن مدى ظاهرة الرفض محمولٌ حتى الآن. فالغالبية المطلقة من الجنود، المتدينين والعلمانيين على حد سواء، ينجحون في اختبار الانصياع للأوامر. إلا أن الاختبار الكبير لا زال أمام الجيش. فمهمة فك الارتباط ستنجز حتى وإن ظهر مئات أو آلاف إضافيين من الرافضين في اللحظة الحاسمة لإخراج المستوطنين من بيوتهم، وتدمير الكنس، لكن في حال حصول هذا الأمر فلن يكون الجيش الإسرائيلي الجيش ذاته الذي كان من قبل. في مثل هذه الحالة، سيفقد القادة بعد فك الارتباط ثقتهم بالجنود من الجمهور الديني ـ القومي، والأخطر من ذلك هو بدء ردود متسلسلة يقوم في اطارها جنود ذوو مواقف يسارية، من رجال الاحتياط بشكل خاص، برفض تنفيذ مهام ذات طابع يميني مثل حراسة المستوطنات في الضفة الغربية.

وبذلك، بل أنه يكون الجيش جيش الشعب، سيجد الجيش الإسرائيلي نفسه أداة في الصراع السياسي. وعليه فإن المادة اللاصقة التي تربط منذ عشرات السنين مجموعات سكانية كثيرة ومختلفة في معتقداتها، ستتفكك، وهذه بالضبط هي العملية التي من شأنها تعريض الجيش الإسرائيلي للخطر أكثر ما أي عدو خارجي.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)