يتفاعل التشنج بين بيروت ودمشق والذي تترجمه العاصمة السورية مداً وجزراً باجراء اغلاق الحدود مع لبنان وحملة انتقادات توجه الى الصحافة اللبنانية أو الى السياسيين اللبنانيين على وقع ثلاثة أمور: الأول هو الانسحاب السوري من لبنان بأسلوب مناقض لتاريخ سعت دمشق الى ارسائه مع جارها بعد الحرب وهو انسحاب ارخى بظلال ثقيلة على ابرز المرتكزات التي بنى عليها النظام في سوريا قوته العربية. والامر الثاني هو التحقيق في اغتيال الرئيس رفيق الحريري من حيث مدى قدرة القاضي ديتليف ميليس على استجواب مسؤولين سوريين فيما يستعد الرئيس بشار الاسد للتوجه الى الامم المتحدة في أيلول المقبل في اطلالة هي الأولى لرئيس سوري من منبر المنظمة الدولية تكاد تضحي قضية توازي أهمية نتيجة التحقيق من حيث اراد السوريون ام لم يريدوا. وتأتي مواقف المسؤولين في لبنان كالنائب وليد جنبلاط لجهة ربطه التسوية مع سوريا بنتائج التحقيق، لتزيد من حماوة الامور على هذا الصعيد. أما الأمر الثالث فيتعلق بتحول لبنان أكثر فأكثر، بعد العراق، باباً من أبواب الضغوط الاميركية على سوريا خلاف ما كان الامر طوال الاعوام الماضية.
واذا كانت تبعات الامر الأول تلقي بظلالها الى حد لا يمكن تجاوزه، فان الامرين الآخرين حاسمان على نحو مصيري بالنسبة الى سوريا. فتقرير ميليس اذا كان سيشير الى مسؤولية سوريا، فان المسألة ستكون على مستوى كبير من الخطورة، وخصوصاً اذا لم تتعاون معه. لكن المسألة، الاخرى هي ان الولايات المتحدة تبدو حاسمة في متابعة خطها السياسي البياني مع سوريا حتى الآن. فهناك من جهة معلومات ديبلوماسية تتحدث عن استمرار البعثة الديبلوماسية في دمشق على هذا المستوى من دون عودة السفيرة مارغريت سكوبي الى دمشق والتي تفيد المعلومات انه قد يطلب اليها الالتحاق بالبعثة الاميركية في الامم المتحدة في الاشهر المقبلة. ومعارضة عودة سكوبي تندرج في اطارين احدهما تأكيد عدم تحسن العلاقات الثنائية بين واشنطن ودمشق، والآخر هو رفض فتح أي حوار مع العاصمة السورية ما دامت، في رأيها، لم تلتزم منع عبور المتسللين الى العراق.
وهناك، من جهة أخرى، معلومات عن قرار جديد محتمل في الامم المتحدة ينفذ الى سوريا عبر لبنان في أيلول المقبل عبر قرار يرحب بالحكومة الجديدة في لبنان ويدعو جيرانه، اي سوريا، الى احترام حدوده ومنع تقديم او تسهيل وصول اسلحة الى بعض الميليشيات فيه، رغم ان القرار قد لا يركز على سوريا مباشرة، على ماحصل بالنسبة الى التسوية التي انتهى اليها القرار 1559. وهناك أيضاً حديث متشدد ضد سوريا على ألسنة المسؤولين الأميركيين الكبار أولاً من منطلق استمرار الاهتمام بلبنان وعدم التخلي عن دفع الامور قدماً فيه في اتجاه اجراء اصلاحات اقتصادية وسياسية ومعالجة بعض المسائل وفي مقدمها مسألة الميليشيات المسلحة، وثانياً من زاوية استمرار التنسيق الاميركي والفرنسي، اذ لم تفسد زيارة وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس للبنان في الود قضية رغم التحفظ الفرنسي عن عدم التنسيق المسبق ومعارضة توقيت الزيارة.
وفي ظل اصرار واضح للرئيس الفرنسي جاك شيراك على الاهتمام بالوضع اللبناني، وصولاً الى عقوبات جديدة قد تمنع منح المسؤولين السوريين تأشيرات لزيارة الولايات المتحدة وتحد من قدرة المصارف السورية على الحصول على العملات الصعبة. ورغم ان مشروع العقوبات ليس موضوعاً على نار حامية وربما استغرق أشهراً على ما تفيد المعلومات الديبلوماسية، فان الموقف الاميركي من دعم سوريا المتسللين الى العراق ومنظمات فلسطينية راديكالية لا يزال على حاله في ضوء الوضع الاميركي الصعب في العراق من جهة الانسحاب الاسرائيلي من غزة ، رغم ان نصائح اوروبية اسديت الى جميع من يعنيهم الامر بعدم عرقلة الانسحاب الاسرائيلي. وهي نصائح شملت "حزب الله" أيضاً.
وتقول المعلومات الديبلوماسية ان ايران دخلت على خطها ابان زيارة الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لطهران في مطلع الشهر الجاري، لئلا توفر أي عملية للحزب ذريعة للآخرين للنيل منه.