كيف ستبدو دولة اسرائيل بعد سنة من اليوم، هل سنحظى حقيقة في نهاية المطاف بالراحة في اليوم الذي سيلي فك الارتباط؟ للأسف الشديد، كل تحليل منطقي يوجب التوصل إلى خلاصة مفادها إنه رغم الثمن الفظيع الذي تطوعنا لدفعه، إلا أننا نسير باتجاه كارثة معروفة سلفاً. فالصور التي تأتي من غزة وتلك التي ستغمرنا قريباً عن خراب غوش قطيف، تجسد ما كان واضحاً من البداية: الفلسطينيون يفسرون الخطوة الخارقة التي قام بها أرييل شارون على انها قرار، انتصار "للمقاومة" الفلسطينية البطلة ـ حرب الارهاب. هذه الخلاصة الواضحة برزت نهاية الاسبوع الماضي في التصريحات والخطب الحماسية في غزة. وهم يقولون أيضاً: توصلنا إلى صيغة "تضمن النصر ـ الارهاب وحده سيجعلنا نسير قدماً نحو الأهداف الحقيقية ـ القدس، حق العودة، تدمير الكيان الصهيوني.

إلى جانب التعزيز الدراماتيكي الذي نالته حافزية مواصلة نهج الحرب، يوفر الانسحاب الاسرائيلي أدوات ومنصات جديدة للفلسطينيين. والكائن الهجين الذي يُبنى الآن في غزة سيوفر الشرعية الدولية ايضاً للارهاب الذي سيتعاظم من غزة والضفة الغربية، ذلك أن رئيس الحكومة الاسرائيلية يوافق ايضاً على أن الشعب الفلسطيني لا زال يرزح تحت احتلال اجنبي، ويحق للشعب الواقع تحت الاحتلال مواصلة محاربة المحتل.

لذلك، ففي الأشهر القادمة ايضاً، وقبل أن تُشرع الحدود مع مصر على مصراعيها وقبل افتتاح المطار والمرفأ البحري، ستتمتع صناعة الارهاب الفلسطيني بحرية العمل الخلاق وبحافزية متصاعدة. فغياب التواجد الاسرائيلي سيسمح بحرية التخطيط، نقل الوسائل القتالية ونشر اسلحة فتاكة. كما سيُسهل هذا الغياب حفر الانفاق بهدوء وأمان.

في المقابل، على طول النقب الغربي، ستنتهي فوراً أهمية "الأراضي المهجورة" العميقة التي يستفيد منها الجيش الاسرائيلي حتى اليوم. كما ستصبح طريق الدوريات الجديدة عديمة القيمة أمام الانفاق المتعددة الطوابق التي ستُبنى على خط الحدود، وبالطبع أمام السلاح المنحني المسار. ويكفي وجود كاتيوشا قديم ومدافع بدائية لوضع كامل جنوب غرب اسرائيل في ظل تهديد استراتيجي لم يحصل منذ حرب الاستقلال.

وبعد أن يُسمح للقط المصري بحراسة جبنة محور فيلادلفي، وبعد بناء المرفأ البحري، سندخل عهداً جديداً كلياً. فالفلسطينيون لن يعودوا بحاجة لتهريب سلاح صدئ، بل انهم سيشترون فخر الصناعة العالمية وسيشحنونها في وضح النهار.

السلاخ سيُستخدم للقيام بعملية مباشرة من غزة، لكنه سيُهرب أيضاَعبر المعابر البرية الى الضفة الغربية. فالمدفعية الخفيفة التي ستظهر في قلقيلية وبيت لحم ستعرض للخطر وسط القدس وغوش دان. اما السلاح المضاد للدروع النوعي فسيجني من جنودنا ثمناً باهظاً عند كل محاولة للسيطرة مجدداً على مراكز المدن.

الحدود المفتوحة ستسمح بحصول هجرة حرة إلى غزة وهجرة ناشطي الارهاب من كل أرجاء العالم الى عاصمة الارهاب الدولي الجديدة، وثمة حديث يدور خلال الأيام الأخيرة عن مئات المسلحين من مخيمات اللاجئين في لبنان ومهندسي القاعدة الذين هم في طريقهم إلى القطاع.
الحافزية والوسائل الجديدة التي سيحصل عليها الفلسطينيون سيُرغموننا على تطبيق العبرة الوحيدة التي كان يتعين علينا استخلاصها من حروب اوسلو و"الانتفاضة الثانية" ـ وحدها السيطرة على الأرض يمكنها وقف الارهاب. لكن في اليوم الذي سيلي الانسحاب سيكون كل شيء أكثر تعقيداً بكثير. فالالتزامات الأحادية الجانب التي أخذتها اسرائيل على نفسها، التنازل عن الحق التاريخي، والاعتراف بأننا "محتلون غرباء" في الضفة والقطاع، ستوجد رافعة للضغط الدولي الذي أشك في قدرة الحكومة على مواجهته.

وبينما يستخدم الفلسطينيون الوسائل الارهابية المتطورة التي حصلوا عليها كرافعة لتحقيق سائر اهدافهم التاريخية وفق اسلوب المراحل، من شأن اسرائيل ان تجد نفسها مقيدة اليدين مقابل ارهاب لم نعرفه مسبقاً، وحتى لو تنازعت مع كل العالم وأعادت فرقاً عسكرية كاملة إلى القطاع، فان الثمن الذي سيُجنى من الجيش الاسرائيلي مع الدخول المتجدد إلى غزة سيكون مختلفاً كلياً عن الثمن الذي دفعناه حتى اليوم.

بالمناسبة، فقدان السيطرة في الضفة والقطاع يمس كثيراً بالمجالات غير الأمنية أيضاً، على سبيل المثال، جودة البيئة والمياه. فالضخ غير المُراقب من شمال الضفة من شأنه تجفيف منابع سهل يزرعئل. ومن شأن مكان وجود مكب نفايات غزة عند مشارف سديروت، أن يجعل الحياة في المدينة مستحيلة. كما أن التدفق غير المضبوط لمياه المجاري نحو البحر في شمال القطاع، سيؤدي الى سد الضخ في محطة التحلية الجديدة في اشكلون.

في جميع الأحوال لن يكون هناك فك ارتباط. فتطبيق خطة شارون سيضع الدولة في معضلة: بقدر ما نُبقي قدراً أكبر من السيطرة في يدنا ـ على المعابر الحدودية، في الغلاف الأمني ـ بقدر ما سنُعتبر مسؤولين عن كل ما يحصل في القطاع. وبقدر ما نتنازل عن السيطرة، بقدر ما سنسمح بحرية عمل أكثر خطورة لدولة الارهاب التي ستقوم. وكلما كان هناك ارهاب أكثر، كلما اضطررنا للعودة بسرعة كبيرة إلى شوارع غزة ودمار نافيه دكاليم.

هكذا ستحصل خطة فك الارتباط ـ المصطلح الكاذب ـ على مغزاها الصحيح. لن يكون هناك فك ارتباط حقيقي عن الفلسطينيين، لكن فك الارتباط الآخذ في التزايد بين المركبات المختلفة في المجتمع الاسرائيلي سيتحقق طبعاً، فالطرد والاقتلاع سيجبيان ثمناً لا يُحتمل. كما الشعور في ان المنظومة الديموقراطية كسرت قواعد اللعبة الأساسية. هذا الشعور المبرر سيسحقنا تحت قوى مدمرة تندمج فيما بينها. فمن جهة سيتزايد كثيراً التهديد الخارجي، ومن جهة ثانية ستتضرر وحدتنا الداخلية. وكما ورد آنفاً كارثة معروفة سلفاً.

مصادر
معاريف (الدولة العبرية)