لا أدعي تمثيل نصف المجتمع، لأن المجتمع ببساطة لا يمكن تقسيمه، وهو تكوبن متكامل .. لكن المسألة هي في انتقال "المحاصصة" السياسية باتجاه التقسيم البيولوجي، فعندما نعتبر أن المرأة نصف المجتمع فهذه مقدمة لإعطائها التمثيل داخل المؤسسات. ويبدو اليوم أن الموضوع تجاوز حالة الشعار الذي طرح مع بدايات الرغبة في تحرر المرأة .. ثم غرق بأساليبنا الحداثية التي أركبت البدوي سيارات السباق، وأبقته داخل خبايا النساء وأدب الجواري.

حداثة البدوي، أو البدوية، لا فرق هنا، كانت نافذة قفز من خلالها نحو صورة مشوقة، فأصبح يتباهى بألوان تقنية تزين عباءته ... لكن الأمر دفعه أيضا لتبني الأفكار مرغما أو حتى بمحض إرادته. وعندما أصبحت الأفكار صورة للواقع اكتشفنا أنها تشكلت على مقاس عقل البدوي وآليات حياته.

حداثة البدوي قاربت الرغبات الدفينة لقحط الصحراء، فتحولت دمشق، على سبيل المثال لا الحصر، إلى حلبة صراع لأحصنة آلية تتجاوز حدود طبيعة المدينة أو حتى بيئتها .. والحداثة نفسها حولت مؤسسات العمل العام إلى رياض أطفال، لأن عمل المرأة هو سبيل تحررها، ونقلت قاعة الحريم إلى جغرافية جديدة، لتنتشر من جديد عقلية البدوي داخل مؤسسات الحداثة.

وضمن نفس التشكيل فإن صراع "رغبة" دمشق يتهاوى أمام حدس البدوي في اغتيال جمال المدينة وتحويلها إلى مضارب، ثم دفع "الحريم" إلى الساحات العامة مع افتراض انهم "حريم" والاعتداء عليهم تجاوز لمسألة العرض والشرف ... فظهرت حدائق النساء، ومسابح النساء، و"الدور" الخاص بالنساء ... أما المساحة الأكبر فكانت فهي "حظوة" النساء.

دمشق اليوم نموذجا للرغبات المتصادمة مع حداثة البدوي، وعندما نرى التناقضات فإن مشاهداتنا لا تدخل في إطار التنوع ... لأن التنوع ثقافي وليس آليات تحكمها في النهاية حداثة البدوي .. أو البدوية .. لا فرق هنا مادام الإناث والذكور يتقاسمون تركة الحداثة والتراث.