لا يكفي ان يلتقي مسؤول اجنبي شقيق او صديق يزور لبنان المسؤول المختص بالقضية التي جاء يبحث فيها. بل عليه ان يزور كل المسؤولين في لبنان من رؤساء ووزراء ونواب. لماذا؟ لان فيديرالية الطوائف والمذاهب التي قام عليها لبنان، قبل الحرب والتي جعلها اتفاق الطائف الاساس الاول للبنان الجديد ان لم يكن بالنص الواضح فعلى الاقل بالممارسة تحول دون قدرة مسؤول واحد على شرح موقف لبنان أو رفض موقف لا يناسبه. هذا فضلا عن انعدام الثقة بين كل هؤلاء رغم كلام معاكس يقولونه. ولا يكتفي مسؤول اجنبي شقيق او صديق يزور لبنان بالالتقاء بالمسؤولين اللبنانيين على تنوعهم، بل انه يوسع "بيكار" اتصالاته لتشمل المرجعيات الدينية والاحزاب السياسية والمسؤولين السابقين. وفي اختصار كل من يتعاطى الشأن العام في لبنان كبيراً كان ام صغيراً. لماذا؟ لان كلاّ من هؤلاء له منطقه وله دولته او له حصته من الدولة القائمة اسميا والغائبة فعليا وتاليا له قدرته على تعطيل ما يمكن ان يتفق عليه المسؤول الاجنبي الزائر مع الدولة، اذا كانت موجودة او اذا كانت واحدة او اذا كان فيها من يتجرأ على الارتباط باتفاق كهذا.

ما هي مناسبة هذا الكلام اليوم؟

مناسبته الزيارة التي يقوم بها للبنان منذ نحو عشرة ايام عباس زكي الوزير المكلف شؤون فلسطينيي لبنان في السلطة الوطنية الفلسطينية. فهذه الزيارة تكاد ان تصبح فولكلورية. ذلك انها شملت الذين "يخطرون على البال والذين لا يخطرون عليه" لكنها لم تسفر حتى الآن عن حصيلة تريح هؤلاء الفلسطينيين في معيشتهم داخل لبنان ريثما يمن الله عز وجل عليهم بالفرج اي بالتخلص من الاحتلال الاسرائيلي لارضهم وباقامة دولتهم المستقلة التي صار العالم كله مقتنعا بانها وحدها تنهي ملف ازمة الشرق الاوسط ولبها الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي. طبعا نحن لا نعترض في هذه العجالة على الاتصالات والزيارات الكثيرة والمتنوعة للوزير زكي. ذلك اننا نعرف العلاقات التي نشأت بين فلسطينيي لبنان ولبنانييه منذ النكبة الاولى للفلسطينيين عام 1948 التي اوصلتهم اليه، والنكبة الثانية التي حصلت عام 1967، والنكبة الثالثة التي بدأت عام 1975 بتورطهم في حروب لبنان الاهلية وفي حروب كثيرة خارجية على ارضه. وعلاقات كهذه بحلوها ومرها لا بد ان تفرض توسيع لقاءات اي مسؤول فلسطيني يزور لبنان. لكننا نعرف ايضا ان هناك ميلا عند الفلسطينيين ولاسيما قادتهم والزعماء الى التصرف على نحو يخالف كلامهم المعلن او الرسمي. كما نعرف ان هناك ميلا عند اللبنانيين ولا سيما قادتهم والزعماء الى الابتعاد عن الصدق والصراحة وخصوصا الحديث عن الموضوع الفلسطيني والاستمرار في محاولة توظيفه في صراعات النفوذ في الداخل او عليه.

وفي اي حال وكي لا يبدو كلامنا عموميا ويظن احد اننا نستهدف الفلسطينيين واوضاعهم في لبنان نقول نقلاً عن لسان خبراء في ساحة لبنان الفلسطينية ان الوزير زكي لم يناقش سواء مع القادة الفلسطينيين في لبنان او مع الدولة اللبنانية او الدويلات مشروعا سياسيا ينهي موضوع السلاح الفلسطيني الذي هو قضية لبنانية قبل ان يكون قضية دولية ويسمح للفلسطينيين بالعيش في كرامة ريثما تحل قضيتهم من دون ان يؤدي ذلك الى توطين فعلي او مقنع لهم في لبنان ويمكنهم من اقامة مرجعية سياسية او سياسية – امنية مهمتها احترام سيادة لبنان على المخيمات وفي الوقت نفسه عدم تعريض ابنائها لاخطار امنية كتلك التي تعرضوا لها في الماضي. ونقول ايضا ونقلا عن الالسنة نفسها ان سياسة تكريس الامر الواقع الفلسطيني الراهن حاليا في لبنان تشير الى غياب اي مشروع لدى السلطة الوطنية الفلسطينية لمعالجة سلبيات الوجود الفلسطيني في لبنان، علما ان ذلك غير صحيح. وان هناك اكثر من مشروع موجود في ادراجها، ومنذ مدة طويلة. لكنها لم تدرسها لاسباب عدة منها الانشغال بقضايا الداخل والاحتلال مع كل ما يرافقها. ونقول ثالثا ونقلا عن الالسنة اياها ان اطلاق الوعود من دون امتلاك القدرة على تنفيذها امر خطير جدا لا بد ان ينعكس سلبا على صدقية اصحابها. فرئيس السلطة محمود عباس قال اثناء زيارته الاخيرة للبنان انه عندما يأتي الوقت المناسب فان السلاح الفلسطيني في لبنان لن يكون مشكلة؟ وهذا كلام غير دقيق، ذلك ان الوجود الفلسطيني في المخيمات قد لا ينفذ قرارات او توصيات او توجيهات عباس وخصوصا في ظل تنوع مكوناته وخضوعه لتأثيرات لبنانية واقليمية متنوعة، وتأثره بخلافات اهل الداخل الفلسطيني. في النهاية لا بد من الاشارة الى ان لبنان تعرض لأذى كبير من الوجود الفلسطيني وخصوصا المسلح على ارضه. ولا بد من الاشارة ايضا الى ان جهات لبنانية عدة متنوعة واحيانا متناقضة ساهمت في دفع هذا الوجود الى اتجاهات لم يكن من حقه التوجه اليها. ولا بد من الاشارة ثالثا الى ان القضية الفلسطينية تعرضت بدورها لأذى كبير من لبنان وبسببه بسبب تورط اصحابها فيه وفي مشكلاته، ولا بد من الاشارة رابعا واخيرا الى ان القضية الفلسطينية تمر الان بأدق المراحل واكثرها خطراً. والنجاح في الخروج من هذه المراحل يقتضي حكمة في التعاطي مع الوضع اللبناني، اضافة طبعا الى الاوضاع الاقليمية والدولية. والحكمة تقضي بعدم وضع اي جهة فلسطينية "لبنانية" نفسها في خدمة اي جهة اقليمية بحيث تصبح جزءا من استراتيجيتها اللبنانية تلافيا لمزيد من الإضرار بالقضية الفلسطينية. والحكمة تقضي ايضا بعدم رهان اي جهة فلسطينية على استعادة وضع لبناني شامل او فئوي لم يعد ممكنا او متاحا. والحكمة تقضي ثالثا بامتناع الجهات اللبنانية عن توظيف الفلسطينيين اللبنانيين او اي جهة منهم لامور يمكن ان تنعكس سلبا على مصالحهم الوطنية وحقوقهم. والحكمة تقضي رابعا باعتماد اللبنانيين والفلسطينيين الصراحة على الالم الذي تسببه وبالتخلي عن الكذب او التكاذب. ذلك ان احدا من الجانبين لا يجهل المواقف الفعلية للآخر منه وخصوصا التي منها ذات بعد لبناني او ذات تأثير على لبنان.

مصادر
النهار (لبنان)