قرار تنفيذ فك الارتباط أحادي الجانب اتخذ في اعقاب فشل المفاوضات مع الفلسطينيين واندلاع الانتفاضة الثانية نهاية ايلول 2000. لكن الديناميكية الشرق اوسطية اثبتت اليوم حدود مبدأ "أحادية الجانب". ذلك انه من دون مفاوضات ـ التي اكتسبت اسم "تنسيق" ـ مع قيادة السلطة الفلسطينية، من دون تصميم محمود عباس (أبو مازن) على اعتبار فك الارتباط فرصة تاريخية للفلسطينيين ونجاحه في ضم حركة حماس ايضا الى هذا التفكير، ومن دون التدخل المصري المكثف كعنصر تسوية بين الفصائل الفلسطينية وكعنصر يحرس محور فيلادلفي، لكان وجه فك الارتباط اليوم مختلفاً كلياً، ولا يمكن ايضا تجاهل الاسهام الكبير لمبعوث الرباعية الدولية جيمس وولفنسون، الذي اوجد حلولا لمسائل رئيسية مثل المعابر الحدودية، ربط غزة بالضفة، اقامة مرفأ بحري وجوي، اخلاء البيوت في المستوطنات وتنظيم نقل الدفيئات من المزارعين الاسرائيليين الى الفلسطينيين.

أيا يكن التعريف الممنوح للتعاون بين اسرائيل والفلسطينيين ـ تنسيق، تفاهمات، أو مفاوضات ـ الا انه سجل انجازا سياسياً وأعاد الحياة الى مصطلح "الشركاء".

بيد انه من شأن هذه الانجازات ان تتلاشى اذا ما تبين في الجانب الاسرائيلي ان فك الارتباط ما هو سوى عملية تكتيكية تهدف الى اخلاء مواقع اسرائيلية متقدمة، مدنية وعسكرية: واذا لم ينجح الطرف الفلسطيني في التقاط رافعة الفرص التي يوفرها ما يعتبره هو نصرا عسكريا على الجيش الاسرائيلي. فقطاع غزة يتطلع اليوم الى الغد. أكثر من مليون وربع فلسطيني ـ الذين كانوا ضحايا للسياسة العربية الفاشلة، للاحتلال الاسرائيلي ولشروط حياة سيئة جدا ـ يعرفون انهم لن يستطيعوا تأمين مورد رزقهم فقط من خلال الرقص على السطوح يوم الاخلاء. انهم يتمنون حصول تحول تاريخي، اقتصاد مزدهر، استثمارات اجنبية، خدمات تعليمية وصحية على مستوى عال، وتحقيق الامن الشخصي وأمن الممتلكات وسلطة القانون، فرص الدراسة في الخارج او العمل في معامل متقدمة قرب مكان سكنهم. بالنسبة اليهم يشكل انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة بداية مرحلة اثبات جدوى المعاناة التي عاشوها.

بعد عشرات السنين من الاحتلال والاستغلال، تتحمل اسرائيل مسؤولية الوقوف على رأس جبهة المساعدة لاعادة اعمار غزة وضمان ازدهار الفلسطينيين. فتحقيق حلم جيرانها الجدد القدامى يشكل الى حد كبير مصلحة لاسرائيل. اما قيادة السلطة الفلسطينية فتقف امام تحد هائل لان الامر لا يتعلق فقط بتحسين ظروف الحياة، بل ببناء نموذج أمني، اقتصادي وسياسي، بحيث يشكل الى جانب المزايا التي سيمنحها لسكان القطاع، قرصاً مهدئاً للخوف الاسرائيلي من حصول خطوات سياسية اخرى في الضفة.

ابو مازن الذي قال اول من امس أن الانسحاب من غزة يشكل بداية استقلال الدولة الفلسطينية، سيجد صعوبة في تحقيق هذا الاعلان من دون تعاون من جانب اسرائيل، التي تتوقع تحطيم منظمات الارهاب، جمع السلاح غير القانوني، والمسؤولية الامنية الحصرية لقوة فلسطينية موحدة.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)