ربما تبدلت كلمات الخطاب السياسي، فحماس المد الجماهيري الذي عرفه البعض في الستينات والخمسينيات من القرن الماضي، انزاح كليا رغم أن رغبات المد الجماهيري بقيت تداعب الأحلام، وقنابل "الإعلام" استمرت إنما بالسبق الصحفي القادم من الجبال والمغاور و "العمائم"، وليس من النقل المباشر للمهرجانات الخطابية.

ضمن سيل الكلمات التي رافقت الخطاب السياسي القديم يمكن تذكر "المنعطف التاريخي" التي غدت في مراحل متلاحقة لازمة في كل تصريح أو خطاب أو حتى بيان. ولم يقتصر استخدامها على الحكومات بل تم زجها في بيانات الأحزاب مهما كان موقعها.

عمليا فإن هذا المنعطف تجاوزناه، على الأقل بعد أن قل استخدامه في الخطاب السياسي، لكن السؤال مالذي حدث في هذا المنعطف؟ هل واجهنا أرضا جديدة بعده؟ أم أنه أدى إلى انزلاقنا؟ وهل كانت شروط السلامة المرورية متوفرة في هذا المنعطف !!!

الأسئلة اليوم تبقى دون إجابة لأن جملة المتعاملين بشأن العام مصرون على عمليات التجاوز حتى في موضوع كلمات الخطاب السياسي، فاليوم هناك رغبة لمحاسبة الماضي وليس قراءته، وهو أمر ليس بالجديد، فالانقلابات العسكرية التي اعقبت مرحلة الاستقلال في سورية قامت بعملية المحاسبة، والوحدة السورية – المصرية حاسبت مراحل الليبرالية، وزمن الانفصال .... وصولا إلى اليوم في أكبر عملية لإنتاج الهزيمة.

الفارق اليوم هو الخيبة وليس الهزيمة، لأن الأخيرة تفترض على الأقل محاولة للخروج من الآليات التي قادتنا إليها، أما الخيبة فهي التحسر على النتائج ... واليوم لا ينظر أحد إلى الماضي على أنه جزء من التاريخ، بل زمن مجهول من إنتاج "أشباح" إن صح التعبير رغم أن الجميع مسؤول عنه، ولا فائدة من عمليات المحاسبة لأن التاريخ أصلا لا يحاسب.

يمر اليوم "المنعطف التاريخي" وكأنه خيال لقصص يسردها "الحكواتي" ... رغم أنه لم يكن مجرد لازمة في الخطاب السياسي بل عبر عن رؤية مهما كان موقفنا منها .. ولكن هل انتهى هذا المنعطف !! وهل ما نواجهه اليوم لا يصح أن نطلق عليه "منعطفا" !!! أم أننا نتجاوز أعقد منعطف عرفه تاريخ البشرية.