تكثفت في الأيام الماضية الاتصالات السورية الإيرانية، وبدا أن ثمة حركة ما تجري في اتجاه تنشيط العلاقة بينهما ورفع مستوى التعاون خصوصاً في المسائل السياسية الإقليمية. وجاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران الأسبوع الماضي لتؤكد هذه الإشارات، ولتفتح الباب أمام تفسيرات المراقبين وتوقعاتهم بشأن فرص إحياء التحالف السوري الإيراني الذي كان شهد انحساراً نسبياً خلال العامين الماضيين، خصوصاً بعد احتلال العراق ثم تعرض سوريا لسلسلة من الضغوط والأزمات المتتالية في أكثر من اتجاه.

جاءت زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لإيران وسط بيئة أقل ما توصف به أنها غير مواتية سواء بالنسبة لسوريا أو لإيران، فرغم الاختلاف الكبير بينهما في طبيعة الظروف المحيطة فإن الصورة العامة للتفاعلات الخارجية لكل من إيران وسوريا ليست جيدة وتراوح بين التوتر والحذر. فمن ناحية تعاني سوريا حتى الآن من حالة التضاغط الشديدة التي تمر بها منذ أكثر من عام على خلفية التوتر الحاد الذي أصاب علاقاتها مع الدول الغربية خصوصاً فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، إضافة إلى الأزمة التي اعترت علاقتها بلبنان الدولة الأكثر قرباً وتلاصقاً عضوياً معها. ورغم التطورات الكثيرة التي شهدتها هاتان الدائرتان في علاقات سوريا الخارجية فإن دمشق لا تزال تعاني من تداعيات وأصداء الضربات التي تعرضت لها ولم تستفق منها بعد. في المقابل تمر إيران بالفعل حالياً بمرحلة صعبة داخلياً وخارجياً، في ظل تولي رئيس جديد أكمل منظومة سيطرة التيار المحافظ على مفاصل السلطة في الجمهورية الإسلامية، مما فتح الباب أمام تكهنات وتأويلات كثيرة حول مستقبل السياسة الإيرانية. وخارجياً تفاعلت تطورات الملف النووي مجدداً بشكل أنذر بوقوع أزمة حقيقية، ورغم أن جميع الأطراف المعنية بالملف النووي الإيراني مهتمون بتجنب تلك الأزمة فإن المرحلة الحالية في هذا الملف حاسمة ومفصلية كونها المنعطف الذي سيستقر بموجبه الخيار النووي الإيراني على حالته النهائية في المدى المنظور.

ورغم صعوبة الوضع على الجانبين فإن نظرة منصفة تكشف سريعاً عن أن السياسة السورية حالياً في وضع لا تحسد عليه، وبالمعايير السياسية والاستراتيجية فإن محصلة القوة الشاملة لسوريا ضعيفة للغاية مقارنة ليس بإيران فقط لكن بدول أخرى كثيرة في المنطقة وبسوريا ذاتها في أوقات سابقة ربما كانت أكثر صعوبة وتأزماً من المرحلة الحالية.

من هنا يمكن النظر إلى ما يمكن اعتباره مساعي سورية لتجديد وإحياء التحالف مع إيران، فدمشق تسعى إلى توسيع نطاق حركتها وفتح آفاق جديدة أمامها، إضافة إلى الغرض الإعلامي والدعائي وهو توصيل رسالة إلى واشنطن بأن الخيارات السورية لم تنعدم بعد وأنها لا تزال قادرة على المناورة، وأن حلفاءها الإقليميين لم يتخلوا عنها تماماً.

الأهم من ذلك هو استكشاف حقيقة الموقف الإيراني المحتمل من العلاقة مع سوريا من جهة ومن الملفات المهمة المشتركة من جهة ثانية خصوصاً الملف اللبناني الذي تمر فيه سوريا بمراحل صعبة ومخاض عسير في كافة الاتجاهات. بعبارة أخرى قياس مدى استعداد إيران للتعاون وإمكانية اعتماد سوريا عليها عند الضرورة.

في المقابل يمكن القول بثقة إن إيران حذرة للغاية وغير مندفعة إلى خطوة استفزازية ربما تكون خسائرها أعلى كثيراً من مكاسبها، خصوصاً أن الأعوام القليلة الماضية زحزحت بوصلة المصالح وبالتالي السياسات الإيرانية عن نظيرتها السورية. فالحاصل أن العامل الأمريكي أكثر تقييداً وخطورة على سوريا منه بالنسبة لإيران. بالتالي سيكون اندفاع إيران إلى تعاون مفتوح مع سوريا بالخصم من مصادر القوة الإيرانية الحالية ويمنح واشنطن أوراقاً جديدة للضغط عليها والتحرش بها.

في حين أن الوضع الراهن يمنح إيران أوراقاً مهمة للتعامل مع واشنطن بل والضغط عليها وربما تهديدها أحياناً، وبعيداً عن التفاصيل وراء ذلك التفاوت فإن الوضع الإقليمي والاعتبارات الجيواستراتيجية تضع إيران في موقف أقل توتراً وضعفاً من دمشق.

على هذه الخلفية وقد تميزت زيارة الرئيس السوري لإيران بالعملية إلى حد كبير، فهي وإن بدت زيارة مجاملة وبادرة بروتوكولية من جانب دمشق تجاه الرئيس الإيراني الجديد، فإن مجريات الزيارة الفعلية كشفت أنها كانت زيارة عمل في المقام الأول لكنها استغلت الظرف السياسي الجديد في إيران.

الملف العراقي

هناك تباين في المواقف الإيرانية والسورية من الملف العراقي، وهو ليس خافياً بيد أن الدولتين كما تعترفان بهذا التباين فإنهما تشددان أيضاً على وجود مساحة مشتركة وتنسيق في الخطوط العريضة له. والشاهد أن اختلاف المواقف ليس سوى انعكاس لتباين المصالح والأهداف وبالتالي السياسات المتبعة تجاه العراق، مع ملاحظة أن ثمة قواسم مشتركة بينهما أهمها على الإطلاق ما يتعلق بالأكراد، ثم الموقف من الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بوجه عام.

لبنان

الملف اللبناني من أكثر الملفات الإقليمية توافقاً بين سوريا وإيران، فهو يتضمن أكثر من جانب تجتمع السياستان الإيرانية والسورية حوله، بدءاً من وضعية حزب الله مروراً بالفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان، انتهاء بالتركيبة الداخلية في لبنان والتوازن بين الطوائف والقوى اللبنانية. وبعد التطورات الدرامية التي شهدتها العلاقة بين سوريا ولبنان، تزايدت أهمية إيران لدى سوريا في الشأن اللبناني، على خلفية وضع حزب الله والتأثير الإيراني فيه، وتحاول دمشق الاستفادة من هذه الرابطة بين الحزب وطهران من أجل الحفاظ على مسار آخر للتأثير والدور السوري في لبنان بشكل غير مباشر وبعيداً عن القنوات المباشرة المعروفة التي لم يعد أغلبها فاعلاً. وواقع الحال أن السياسة الإيرانية تجاه حزب الله والملف اللبناني بشكل عام ليست مختلفة كثيراً عن سياستها تجاه العراق من زاوية الأسلوب والنهج، مع الفارق بالطبع في درجة الأهمية والحيوية لمصالحها. فأسلوب البراجماتية والنهج الواقعي هو الحاكم للدور الإيراني في لبنان. من هنا لم يكن من الصعب على الرئيس السوري في مباحثاته في طهران أن يتلقى إشارات طمأنة إيرانية بأن طهران لن تتخلى عن حزب الله، وأن الحزب ليس خارج حسابات السياسة الخارجية الإيرانية وتقويمها لمصالحها الإقليمية، مع ملاحظة أن الموقف الإيراني يتسم إلى حد ما بالفضفاضية ليس فقط بالمرونة، فهناك نوع من الغموض والسيولة في ما هو معلن من جانب إيران بشأن لبنان وحزب الله بصفة خاصة. الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمالات كثيرة لا تصل بالطبع إلى حد التخلي الكامل أو تغير جذري في الرابطة التي تجمع طهران بالحزب، لكنها تعني أيضاً أن المساندة أو الدعم الذي تنتظره سوريا في لبنان من الجانب الإيراني سواء مباشرة، أو من خلال الحزب، هذا الدعم قد لا يكون بالضرورة كما تتوقعه دمشق.

تحالف عسير

في ضوء ما سبق يمكن القول إن فرصة إحياء التحالف السوري الإيراني ليست كبيرة، فالتنسيق قائم بالفعل والمساحات المشتركة بينهما في الملفات المهمة معروفة ومتفق عليها من قبل، وما يمكن أن يضاف إلى هذا المستوى من التعاون ليس الكثير. ومع ذلك فإن التفاعلات السياسية ليست حاصل معادلة حسابية جامدة، فهي قابلة دائماً للتغير والتحول نتيجة مُدخلات كثيرة تتفاوت في أوزانها وتأثيرها من وقت إلى آخر ومن ظرف سياسي إلى آخر.

لدى إيران أوراق ضغط يمكنها التعامل بها مع التحديات التي تواجهها، بالتالي هي أقل ضعفاً واضطراراً إلى الحذر في حركتها الإقليمية، وربما هذا ما دفع دمشق إلى العمل على الاستفادة من موقع القوة الذي تتحرك منه طهران حالياً. والفرصة شبه الوحيدة المتاحة أمام سوريا لحث إيران على تفعيل التعاون بينهما وتعميقه مجدداً تكمن في الملف العراقي الذي يمكن لدمشق أن تلعب فيه دوراً أكثر أهمية بالنسبة لإيران سواء في الاتجاه السلبي أو الإيجابي.

فضلاً عن ذلك هناك تباين الحسابات والمواقف من بعض الملفات، خصوصاً الملف العراقي الذي يعد الأكثر أهمية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن في حالة التوصل إلى توافق أمريكي إيراني من أي نوع سواء في الملف النووي أو بالنسبة للعراق أو في العلاقات الثنائية بوجه عام، في هذه الحالة فإن العلاقة الإيرانية مع سوريا ستكون ضمن أولويات أجندة المطالب الأمريكية من إيران، وعندها لابد من الاعتراف بأن مصالح طهران وحساباتها هي التي ستحكم موقفها، مما يعني أن فقط استعداداً ضئيلاً ستبديه للتمسك بمساندة دمشق أو استمرار علاقة قوية معها.

مصادر
الخليج (الإمارات العربية المتحدة)