في الحوارات والمناقشات التي تبث تلفزيونيا و كتابيا واذاعيا وانترنيتيا، حول موضوع ما او موضوع معين او حتى موضوع عابر، نلحظ ثنائية ابدية في الثقافة العربية (اذا صحت التسمية وقد لا تصح)، هذه الثنائية هي ان الكلام ( وهو كلام وليس حوارا او جدلا او تفاعلا ) ليس في ذات الموضوع على الرغم من ان العنوان هو واحد لهذا الكلام الذي شبه لهم ولنا على انه وجهات نظر ونقاش.

مان يهل موضوع الدولة او الديموقراطية او الامة او اية قضية مطروحة للنقاش حتى يتم الفصام النهائي ليتكلم طرف عن امة (مثلا) كما يتوهمها في التراث ، ويتكلم الطرف الآخر عن امة عرفها بالعلم والعقل ،ويبدأ التطاحن حول موضوعين مختلفين تماما ، ليتحول الى حوار طرشان حقيقي، هذا الحوار يتحول عن المتلقي الى فعل تربوي متمترس تتنازعه العواطف والتعصبات والعامية التبسيطية، والخلاف والعصاب والدجل والادعاء حول امتلاك العلم والاهم هو التهييج الجمهري ،حول قضايا ما كان لأحد ان يعرفها او يتقنزع للحوار فيها لولا عصر الانوار الاوربي الذي انتج مفاهيم فلسفية تطورت ورست على تطبيقات علمية وعقلانية نفذت اليات العيش المجتمعي الذي نتوق اليه .

اننا نتكلم عن امة او دولة هي نتاج العصر الحديث بعواملها ومسبباتها ومقوماتها ونتائجها وتحدياتها ومنافسيها ، حيث تأخذ مجراها من التفكير والفعل المعاصر وليس من الشواهد التاريخية ، لأنه وببساطة لم تكن مطروحة في زمن تلك الشواهد والشواهيد هذا من جهة ، اما من جهة اخرى فأن تلك المفاهيم الفلسفية والتي يمكن اعتبارها اختراعات تشبه اختراعات العلم الاخرى ، تقضي بان نكون مؤمنين بها على الاقل ففي مجتمع يكفر الفلسفة كيف له ان يتوق الى انجاز او تطبيق اختراع ( امة دولة قوانين برلمان الخ ) هو نتاج هذه الفلسفة المكفرة سلفا ، من هنا ينحدر ويتهافت مستوى ( الكلام) حتى في مبناه التلفيقي ليصبح امية فصحى، وقيادية زعرانية، وعلم كاذب .

انه ليس ذات الموضوع مهما كان ، والاهم هو اغفال حال التحول والارتقاء الدائمة لتلك المفاهيم ، ما ينتج حالة اغبائية يستفيد منها المنافسون اذا لم نقل الاعداء، فالامة هي الامة المعرفة في العصر الحديث، والبرلمان كذلك وكل مطلب او انجاز مقصود به ما وصل اليه الان واذا كان في تراثنا ما يدل على انه وبعبقريتنا الخالدة استطعنا التوصل الى نظام تشغيل خطوط الطيران قبل اختراع الطائرة فهذا لا يعني وبمطلق الاحوال اننا نتكلم عن نظام طيران … ودعوا العقل يعمل ولو …. قليلا