الدرس الأساسي الذي كان يتعلمه طالب العلم في الكتاتيب هو عدم "الكبر" .. وعلى أساس أن معظم المدرسين في حلقات المساجد هم من رجال الدين فإن الآية الكريمة "وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" هي الموجه لحالة المجابهة غير المجدية أو الجدل العقيم مع "الآخر" الذي يصر على رأيه.

وربما علينا اليوم ان نستغرب من الانقلاب الذي حدث على صعيد الخطاب لأصحاب المدرسة التراثية، فـ"سلاما" التي وردت في الآية الكريمة تحولت إلى حالة من التهديد والتكفير، وحتى علو الصوت وعدم الإتاحة للآخر كي يتحدث، ويكفي ان نراقب بعض المحطات الفضائية وهي تناقش مسائل التراث الديني حتى نجد أن الصوت الذي يعلو خاص بأشخاص يستخدمون البلاغة اللغوية على حساب العقل .. فهل تبدلت الأدوار؟

عمليا فإن لكل حقه في التعبير عن ذاته، لكن الآلية التي نشهدها اليوم تثبت أن التحول على مستوى الخطاب التراثي مرتبط بعاملين:

الأول - الشعور بالتفرد داخل ساحة فارغة ومفتوحة على كافة الاحتمالات، فالعودة القوية نتيجة لفقدان المنافس وعدم التحسب لوجود آخر قادر على خلق مد اجتماعي.

الثاني – استخدام الخطاب التراثي لمداليل الليبرالية كي يسكت الجميع، فهو يتهم كافة الطراف بانه ضحية التفرد بالرأي، ولسنا بصدد مناقشة صحة هذه المقولة، ثم يستخدم الحرية ليسكت الجميع.

عمليا فإن الليبرالية التي نشهدها على المستوى الإعلامي على الأقل لم تحمل من الصوت الآخر سوى "الصرخات" التراثية، وكان حضور اللون الحداثي محاصر بالاتهامات عن مسؤولية المرحلة السابقة، لتصبح الحداثة والتنوير في قفص الاتهام. وضمن حالة افتراضية بأن القادم يمكن ان يعيش بدون التنوير، فإن تجربة أكثر من سبعين عام تنسف بدون قراءة أو تحليل أو مقدمات. بينما يتم العفو عن أي محاولات أو إعادة نظر بمجرى التيارات التراثية طوال تاريخها الطويل.

تبدلت الأدوار .. وربما على أصحاب الحداثة أن يقولوا "سلاما" .. وأن يتجرعوا كأسا من البلاغة والفصاحة والاقتباسات لقواميس كادت ان تموت .. وتبدلت الأدوار لكن كلمة "سلاما" لا تعني أن الحياة تسير نحو الماضي .. فالقادم والمستقبل لا يمكن أن يرجع ساعات الزمن للوراء

مصادر
سورية الغد (دمشق)