اصحاب النوايا الحسنة الذين خططوا لعملية فك الارتباط عن غزة بكل تفاصيلها، جروا الجيش والشرطة إلى تنفيذ عملية إخلاء على مرحلتين؛ المرحلة الأولى هادئة، حساسة ودامعة، ومرحلة ثانية أكثر شدة. ومن المبكر القول ما إذا كانت هذه الخطة الملتوية أثبتت جدواها وما إذا كانت حالت فعلاً دون مواجهات أشد عنفاً.

فرضية العمل لدى مخططي الإخلاء كانت تفيد أن المستوطنين المتدينين في غالبيتهم، سيأملون حتى اللحظة الأخيرة حصول معجزة وانهم يجدون صعوبة في استيعاب حقيقة ان الأخلاء سيُنفذ فعلاً. هذا النهج المتساهل في مقاربة الموضوع لم يُلق أي مسؤولية على الذين سيتم اخلاؤهم وسمح لهم بالجلوس مكتوفي الأيدي وانتظار من سيخليهم. وعلى الرغم من أن العقوبات المالية التي تقررت في قانون الاخلاء ضد كل من لا يُخلي حتى السابع عشر من آب هي عقوبات ذات مغزى، إلا انه يوجد في معسكر المستوطنين، خلافاً لسائر القطاعات في الدولة، ايمان فقط برحمة السماء، وثمة ايمان بشكل خاص بسياسيي اليمين الذين لن يألوا جهداً لتغيير القانون من أجلهم، او على الأقل لغض النظر عما ورد فيه، ويمكن الافتراض أن احداً من رافضي الاخلاء لا يخشى على مصير تعويضاته.

اجمال اليومين الأولين لعملية الاخلاء مهين: فأكثر من نصف السكان ما يزالون في منازلهم، مئات الفتيان يسخرون من رجال الشرطة والجيش، يضرمون النار في مكبات النفايات، يثقبون عجلات الشاحنات التي أحضرها سكان القطاع لإخلاء بيوتهم. هذه اليد اللينة وغض النظر عن المخلين بالقانون في المستوطنات تحول مع مرور السنين الى طبع ثان لدى رجال الشرطة والجنود، الى سلوك يصعب تغييره بين ليلة وضحاها. فعدد الاعتقالات لا يُقارن حتى بعدد السيارات التي ثُقبت عجلاتها، كما تم الافراج عن قادة المستوطنين الذين اعتقلوا خلال محاولتهم التسلل عبر سديروت بعد مرور ساعات معدودة فقط.

من غير المعقول الوصول الى السابع عشر من آب وغالبية السكان الدائمين في غوش قطيف لا يزالون في بيوتهم. ومن غير المنطقي سوق الادعاءات في وجه مديرية فك الارتباط والقول انها لم تقترح حلولاً على السكان، بعد أن امتنع غالبية سكان غوش قطيف عن اجراء اي اتصال مع المديرية طول أشهر، ولم يكن من المعقول السماح للمستوطنين بادارة حياتهم الروتينية حتى اللحظة الأخيرة والسماح لأقاربهم بالمجيء لوداعهم. بدلاً من فعل كل شيء من أجل التسبب بخروجهم المبكر فور انتهاء العام الدراسي. ان ما يحصل في غوش قطيف الآن هو انعكاس دقيق لما كان يحصل في المستوطنات طوال سنوات قيامها: ابداء تفهم كبير تجاههم، غض النظر عن كل عمل يُرتكب مخالف للقانون.

عندما نقول إن المستوطنين لم يستوعبوا الإخلاء حتى اللحظة الأخيرة فالمقصود انهم استوعبوا جيداً حقيقة أن جميع رغباتهم تتحقق بشكل عام، وانهم اعتقدوا بحق أنه في هذه المرة ايضاً ستكون يدهم هي العليا.

إنهم لا يعلقون آمالهم بالسماء، بل بضعف السلطة مقابل عزمهم وتصميمهم. بعد يومين من المراعاة المبالغ بها، حيث يجري رجال الشرطة والجيش المهانون مفاوضات لإخلاء المستوطنين من الأرض مقابل هدوء مؤقت، حان وقت السلوك المعاكس. كل مظهر من مظاهر العنف من الآن وصاعداً سيؤدي الى فشل العملية كلها.

مصادر
هآرتس (الدولة العبرية)