يزيد قرار بريطانيا استعدادها لسحب قواتها من العراق، الوضع الأمني تعقيداً في البصرة، اذ أن القوى الشيعية الرئيسية، التيار الصدري و «المجلس الأعلى» وحزب «الفضيلة»، تتصارع على ملء الفراغ، وكانت خاضت اشتباكات مسلحة للسيطرة على مراكز السلطة والقرار في المحافظة.

لكن على رغم هذا الواقع، قال رئيس الوزراء نوري المالكي، في تعليق على إعلان نظيره البريطاني غوردن براون استعداده للبدء بسحب قواته خلال شهرين، إن بإمكان القوات العراقية تسلم المسؤولية الأمنية، خلال هذه الفترة. وسارع البيت الأبيض الى تأكيد عدم معارضته هذه الخطوة، مؤكداً أنه لا يرى أي مشكلة في إعلان بريطانيا عزمها على سحب حوالي ألف من جنودها من العراق قبل عيد الميلاد، معتبراً أن ذلك يتطابق مع خطط لندن ويثبت تقدم القوات الأمنية العراقية.

وقال براون، خلال زيارة مفاجئة لبغداد والبصرة أمس، حيث التقى المالكي وقادة الجنود البريطانيين انه «بالإمكان إعادة 500 جندي الى الوطن نهاية العام».

وكانت بريطانيا بدأت تقليص قواتها في البصرة، وكان قوامها 5500 جندي، فسحبت 500 من البصرة الى قاعدة جوية كبيرة على مشارفها أوائل ايلول (سبتمبر) الماضي. وانخفض العدد الاجمالي منذ ذلك الحين الى 5000 جندي.

أما قائد القوات الأميركية ديفيد بترايوس، فقال إنه لا يعتقد بأن القرارات النهائية اتخذت بالفعل لخفض القوات البريطانية. ولفت الى ان كبار القادة البريطانيين سيحددون الارقام خلال محادثات مع نظرائهم الاميركيين خلال الايام القليلة المقبلة.

ويتزامن انسحاب القوات البريطانية من مواقعها في البصرة مع ارتفاع وتيرة الخلافات بين الاطراف السياسية المتنفذة في المدينة. ويشغل ممثل حزب «الفضيلة» الذي انسحب من «الائتلاف» الشيعي منصب محافظ المدينة، وخاض صراعا دامياً مع جبهة سياسية شكلها ممثلو «المجلس الاسلامي الأعلى» وأحزاب شيعية أخرى، تطالب بإقالته لتغيير خريطة مراكز النفوذ. ويتقاسم «الفضيلة» وحزب «الدعوة» و «المجلس الاعلى» و «تيار الصدر» النفوذ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي في البصرة التي تعد المنفذ الوحيد للعراق على الخليج العربي، اضافة الى أنها خزان نفطي كبير.

وتزايدت المخاوف أخيراً من تصاعد نفوذ تنظيم «القاعدة» في الاحياء السنية في المدينة التي تشير الاحصاءات الى ان نحو 25 في المئة من سكانها من المذهب السني ويتركزون في قضاء الزبير. وشهدت سلسلة من التفجيرات والاغتيالات أبرزها استهداف ممثلين للمرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني، فيما أعلنت مصادر الشرطة امس نجاة قائدها عبد الجليل خلف من عملية اغتيال بتفجير عبوة في منطقة الجبيلية.

وكانت الحكومة عينت خلف، بعد تصاعد الاشتباكات بين الاحزاب، لكن جهوده لإحلال الأمن اصطدمت مع مصالح الميليشيات والاحزاب والعشائر ومهربي النفط والاسلحة والمخدرات عبر الخليج.

أمنياً، سقط 44 قتيلاً عراقياً في هجمات متفرقة وقعت غالبيتها في الشمال، وكان أبرزها هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدف نقطة تفتيش للشرطة في بغداد، أودى بحياة ستة أشخاص، في حين قُتل جندي أميركي وجُرح عشرة آخرون.

وفي إطار النشاط المتزايد لـ «القاعدة» في شمال البلاد، خصوصاً الموصل، أصدر تنظيم «أنصار الاسلام» بياناً أحل فيه دم العشائر السنية التي تشكل «مجالس إسناد وصحوة» لقتال التنظيم بدعم من القوات الأميركية والحكومة العراقية. ويتزامن هذا التهديد مع حملة اغتيالات استهدفت رجال دين سنة، قال قائد شرطة الموصل اللواء الركن واثق الحمداني لـ «الحياة» إنهم رفضوا التعاون مع «القاعدة»، ونددوا بعملياتها قبل استهدافهم.

إلا أن كتلة «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعية، وهي الأكبر في البرلمان، نددت بتسليح القوات الاميركية العشائر وتشكيل جماعات مسلحة تحت اسم «قوات الصحوة» لمحاربة تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» في العاصمة، واتهمت هذه القوة بالمشاركة في أعمال عنف طائفية. وفي بيان شديد اللهجة تلقت «الحياة» نسخة عنه، اعتبرت «الائتلاف» الخطوة الأميركية انتهاكاً للسيادة العراقية، ولا سيما بعدما أمر المالكي بوقف «فوج الصحوة» في حي السيدية.

مصادر
الحياة (المملكة المتحدة)