يبدو واضحا أن هذا المشروع ليس إلا مقدمة للمشروع الأكبر للمنطقة حيث أن فقراته تتضمن الكثير من المطالب التي لا تبدو فيها المنطقة قادرة على تنفيذها والسير بها مما سيجعل النقاش الدائر في المنطقة والمبني على طريقة استعادة الحقوق لا على مبدأ هذه الاستعادة قد ولى ووضع المتحاورين المحليين أمام خيارين لا ثالث لهما إما نسيان هذه الحقوق أو مقاومة المشروع الدولي والاستعداد لمعركة بهذا الحجم طالما تهربوا منها.

وبات مؤكدا أن ما يسمى القرار ١٥٥٩ الذي فرضه الاتفاق الأمريكي – الفرنسي على لبنان لضمان مصالح البلدين وتنفيذ المشروع الأمريكي للعصر الأمريكي الجديد مستفيدا من ضعف في رؤية الرئيس شيراك للاستراتيجية الأمريكية ومزاوجته غير المشروعة بين العواطف والمصالح والوقائع إن هذا القرار الفخ الذي نصبه المحافظون الجدد في الولايات المتحدة للبنان كل لبنان ولفرنسا أيضا التي بدت تدرك الآن مخاطر هذا التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تف يوما لحلفائها خاصة أنها تنتهج نهج التفكير الصهيوني – التلمودي لا شيء أخر.

فالقرار ١٥٥٩ ورد في مشروع الاتفاق الفرنسي – الأمريكي الذي سيحاولون فرضه مجددا على لبنان كجزء من مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به غونزاليسا رايس وتحاول فرنسا مجددا اللحاق بركب المشروع الأريكي ولو بتحفظ وخفر.

شيراك وبوش وهمسات لا تكتمل إلا بالطعنات

ويشكل هذا المشروع تراجعا فرنسيا واضحا يشبه ما حصل في القرار ١٥٥٩ وهو كلمة سر أخرى بذيلة بعد سقوط القرار ١٥٥٩ على أرض الواقع اللبناني المعقد.

ويراهن مشروع الاتفاق الفرنسي – الأمريكي على وهن البنية السياسية اللبنانية واحتمال قبول فئة من اللبنانيين به للانتهاء من حالة التدمير والمجازر والجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية بيد اسرائيلية في لبنان. واضعا المجرم والضحية في خانة واحدة وأحيانا يحمل الضحية مسؤولية الجريمة.

فهو يرى أن المشكلة بدأت ( منذ هجوم حزب الله ) [ الفقرة ٢ ]

وهو يرى أن ( الحاجة الى معالجة عاجلة للاسباب التي ادت الى نشوء الازمة الحالية، بما في ذلك الافراج غير المشروط عن الجنديين الاسرائيليين المخطوفين،) [ الفقرة ٣ ] متجاهلا بشكل واضح موضوع الأسرى اللبنانيين والاحتلال الاسرائيلي لقسم من الأراضي اللبناني كسبب أساسي للمشكلة.

ويؤكد أيضا آنه (بشكل خاص، الى وقف حزب الله فوراً اي هجمات) متناسيا أن الأزمة الانسانية والأمنية هي بالبربرية الأمريكية بالآلة العسكرية الاسرائيلية بينما يدعو إسرائيل لوقف أعمالها الهجومية بينما تؤكد اسرائيل والولايات المتحدة طبعا أن الأعمال الحربية الإسرائيلية هي للدفاع عن النفس أي دفاعية مما يبقي لإسرائيل الحق بالأعمال العسكرية.

يدعو إلى تحديد الحدود الدولية دون أن يطلب انسحابا اسرائيليا إلى خلف هذه الحدود الدولية و دون أي التزام بذلك.

ويدعو إلى ازالة القوات الأجنبية في لبنان دون أن يحددها والمعروف أن لا قوي أجنبية في لبنان سوى قوات الاحتلال الإسرائيلي وفي ذلك مجاملة مستمرة للمحتل.
ثم يأتي مشروع القرار متناقضا مع نفسه في مجال اقامة منطقة خالبية من أي عناصر مسلحة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تعمل تحت البند السابع بما يتناقض مع سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها.

بين القرار ١٥٥٩ وحرب بوش على لبنان تتكرر خيانتات الرئيس بوش لحلفائه و( أصدقائه )

ويشدد مشروع القرار في جميع فقراته على تنفيذ القرار ١٥٥٩ والقرار ١٦٨٠ حول لبنان ممايؤكد بما لا يقبل الشك أن الهدف الأساسي من هذه العملية الحربية الإسرائيلية جاءت بتفويض غير معلن من الولايات المتحدة الأمريكية وإلي حد ما فرنسا التي كان رئيسها قد صرح في بداية الهجوم الاسرائيلي دعمه للعملية الإسرائيلية محملا حزب الله مسؤولية هذا العمل قبل أن يتراجع تدريجيا بعدما اكتشف أن المسألة تجاوزته وأن الرئيس الأمريكي قد خان التوافق القائم بين البلدين في القرار١٥٥٩. وأن الولايات المتحدة قد كلفت اسرائيل تنفيذ مشروعها الاستراتيجي في الشرق الأوسط الجديد الذي لا مكان لفرنسا أو للاتحاد الأوروبي أي مكان فيه.وبعد أن تبين بشكل واضح أن اسرائيل لا تقيم أي وزن للنوقف الفرنسي و أن ما يعنيها هو المشروع الأمريكي.

رغم أنه يشكل اعترافا بهزيمة المشروع الصهيو – أمريكي على زرض لبنان فإن مشروع القرار الفرنسي – الأمريكي المشترك يؤكد مجمل حقائق سياسية أكيدة أن الولايات المتحدة الأمريكية تغير في تكتيكاتها في الشرق الأوسط وليس تغييرا في الاستراتيجية وهو أن تجعل من هذا القرار مجال خلاف داخل لبنان بعد أن فشلت بإيصال الأمور في لبنان إلى حافة الحرب الأهلية وتراهن في ذلك على وهن بعض السياسيين اللبنانيين كما راهنت في القرار ١٥٥٩ على حالة لبنانية داخلية وطموحات بعض السياسيين اللبنانيين الذين افترضوا أن الفرصة سانحة للاستفراد بالسلطة في لبنان بمساعدة ما أسموه آنذاك المجتمع الدولي، وبالفعل مسألة نجاح و فشل الفخ الدبلوماسي الجديد هو بيد اللبنانيين الذين عليهم أن يقرروا بما لا يقبل الشك ولا التراجع إما السير بهذا المشروع والخضوع لمشيئة الدول الكواسر والانتهاء نهائيا من مشروع بناء الدولة السيدة الحرة المستقلة أو أن يرفضوا كل مقررات أنترنسيونية تتغافل عن حقوق لبنان الأساسية خاصة أن الثمن قد تم دفعه ويستحق ضحايا العدوان من نازحين أن يعودوا إلي وطن لا إلى خيمة ويستحق الضحايا أن يعتبروا أنهم شهداء الحرية والسيادة والاستقلال والمستقبل لا ضحايا الهزيمة التاريخية.

ومن المؤكد من خلال هذا الاتفاق الذي قد يتحول إلى قرار دولي أنه ليس قرارا دوليا معزولا عن المشروع الأمريكي والفارق أن الولايات المتحدة تؤكد من خلاله مرة أخرى أنها لم تحترم أصدقاءها في لبنان ولا مستقبلهم السياسي داخل البنية الشعبية اللبنانية وعلى هؤلاء قبل حزب الله وحلفائه أن يعيدوا ترتيب مواقفهم مما يسمونه الشرعية الدولية وهو الأمر الذي سيكون بالتأكيد محور النقاش في لبنان ما بعد الحرب والذي محتمل أن يتشكل من خلاله مشروع المقاومة والممانعة الجديد.

عيسى الأيوبي

رئيس التحرير

titre documents joints