عمليا فإن الحدث السوري أصبح اليوم تحد في حياة المواطن، ولم يعد ضمن إطار الشكل السياسي الذي يمكن عبره خوض صراع واضح المعال
سيناريو الحرب الاقتصادية يؤكد ان مسألة التسليح أصبحت ضمن هامش الأزمة السورية، فما حدث منذ ثلاث أسابيع يؤكد أن خلق مصاعب اقتصادية أسهل بكثير من مسألة التسلح التي تسير اليوم على نار هادئة، وهو في نفس الوقت يفتح مواجهة مع الدول الحليفة لدمشق، وربما على عكس العقوبات الاقتصادية فهو يطال مسار حياة السوري دون الحاجة لتصريحات وبيانات وإجراءات إدارية طويلة، ورغم أن الاقتصاد السوري يعاني اليوم من كافة نتائج الأزمة لكن التحدي الأساسي كان في عملية إغراق البلد وبشكل سريع في متاعب مالية عبر انهيارات متتالية للعملة السورية.
عمليا فإن الحدث السوري أصبح اليوم تحد في حياة المواطن، ولم يعد ضمن إطار الشكل السياسي الذي يمكن عبره خوض صراع واضح المعالم، فالمسألة في بعدها العسكري ثم الاقتصادي رهان على "إفراغ السياسة" لصالح خلق تنازلات من السلطة السياسية التي تجاوزت الرهانات السابقة التي انطلقت واستمرت على امتداد عامين ونصف، فالتجويع تاريخيا يؤدي لأمرين أساسيين:
– تجميع القوة في مركز واحد كما حصل خلال الحصار على العراق أو ليبيا، فالتجويع والإفقار انهى أي احتمالات سياسية لصالح تحصين السلطة السياسية لذاتها، وهناك عدد لا بأس به من التجارب التي توضح أن هذا العقاب الجماعي هو خطوة ضمن سيناريو تدريجي، فهل يمكن ان تصبح هذه الخطوة بداية لانتزاع تنازلات من دمشق قبل أي مؤتمر دولي؟
من المستبعد في ظل التوازن الدولي الحالي اعتبار ما يحدث مجرد خطوة ضمن سيناريو، حيث لا يوجد أي توافق على الشكل النهائي لحل الأزمة، لكن مثل هذه الخطوة ستؤدي وفق الوضع السوري إلى صياغة مرحلة ما بعد الأزمة أي رسم الحصص الاقتصادية لاحقا كي يستفيد منها طرف على حساب آخر، فما يريده البعض هو دخول سورية ضمن الكارثة الاقتصادية التي تجعلها وضعها أقرب إلى مصر، ويصبح الأزمات الاقتصادية المتتالية دوامة لا يمكن الخروج منها إلا بحلول سياسية قاسية قد يكون إحداها "تعويم" الكيان السياسي السوري قبل تصفيته والقيام بتقسيم سياسي لسورية.
– تصفية المعارضة السياسية، أو حتى كل أشكال التعامل السياسي، الذي يبدو اليوم محرجا وعاجزا عن اتخاذ أي حراك واضح تجاه الأزمة، فالحلول السياسية الداخلية على الأقل عاجزة عن مواجهة ما يحدث أو حتى التأثير على الأطراف الداخلية المشاركة في خلق الأزمة الاقتصادية أو زيادة حدتها.
بالنسبة للمعارضة الخارجية فهي ستفقد أي قدرة على التحرك مع ازدياد حدة الأزمة، في المقابل فإن المعارضة الداخلية ستجد نفسها محشورة داخل الأزمة وخاضعة لمراكز الاحتكار الداخلي، وهي خضعت سابقا لمثل هذا الاختبار أمام خيارات العمل العسكري، وكانت أوراقها المقدمة للحل السياسي تمثل رغبات في مواجهة صراع الإرادات القوية منذ بداية الأزمة.
قسوة ما يحدث لا يعكس فقط معاناة المواطن، بل يكسر أيضا المساحات المتبقية من إمكانية التحرك السياسي، فهل يمكن أن تنطلق سورية باتجاهات جديدة؟ إن هذا الأمر سيبقى مرهون بردود الفعل الحكومية والاجتماعية لإيجاد توازن مختلف عن كل السياقات السابقة.