إذا كانت تركيا وجيشها حليفين لاغنى للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي عنهما، فشخص الرئيس رجب طيب أردوغان صار خارج هذه المعادلة، وأصبح يُشار إليه بالبنان في واشنطن.
حتى مجرد مشاركته في القمة، التي استضافها البيت الأبيض حول الأمن النووي، بدت إشكالية.
لدى وصول السلطان العثماني إلى واشنطن، تجنبت السلطات الدخول في حوارات جدلية، مفسحة المجال لنحو خمسين شخصية من مختلف الاتجاهات، لعرض جانب من الاختلافات.
اكتفى هؤلاء الخبراء بإثارة أربع نقاط من السياسة الداخلية (التركية) بمنتهى اللباقة، عبر رسالة مفتوحة، جاء فيها :
تعديات على حرية التعبير، تدخل رئاسي قسري في الممارسة الدستورية، استئناف للحرب الأهلية، ونزوع إلى خلع نواب أكراد من البرلمان.
لم يتطرقوا بكلمة واحدة إلى المواضيع الأكثر إثارة لغضب (السلطان)، كالحديث عن السياسة الخارجية : التخلي عن العثمانية الجديدة، الإعلان عن مشروع الامبراطورية السابعة عشرة، الدعم السياسي للإخوان المسلمين، والعسكري للجهاديين، فضلاً عن احتمال ضلوع الاستخبارات العسكرية التركية في هجمات باريس وبروكسل، ونشر الجهاد في أوروبا.
كانت الرسالة واضحة : واشنطن تطالب جميع حلفائها، وخاصة الأعضاء منهم في حلف ناتو، بأن يحترموا القواعد الأساسية لدولة القانون.
اللقاء الذي جرى في البيت الأبيض كان شكليا.
الرئيس أوباما، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بنزع السلاح النووي، ونال على أساسها جائزة نوبل للسلام، انتهى به المطاف إلى الاستثمار بشكل وازن، في تحديث ترسانته الحربية.
إن عدم نزع السلاح النووي، كان فرصة لدعوة المشاركين إلى تخيل ماكان يمكن أن يحدث، لو سرقت داعش مادة البلوتونيوم، وصنعت قنبلة قذرة.
لكنه سيناريو مضحك، يهدف إلى إخفاء مخاوف واشنطن من رؤية السعودية "تقدم" للجهاديين قنبلة قذرة.
ابتعد أردوغان عن الأضواء، ولم يحظ، في نهاية العشاء الرسمي، إلا ببضع دقائق من اهتمام الرئيس أوباما، بطريقة تجعله ينسى المقابلة العاصفة مع نائب الرئيس جو بايدن، إثر نشر الاستخبارات الروسية تقريرا جديداً عن الدعم العسكري التركي لداعش.
حاول أردوغان إغواء الطبقة الحاكمة، باجراء العديد من اللقاءات، والخطاب في معهد بروكينغز، الذي كان يعتبر المركز الفكري الأفضل في العالم، قبل أن تشتريه جزئيا قطر عام 2007، ليصبح المصدر الرئيسي للدعاية المعادية لسورية.
حتى هنا، لم تسر الأمور على مايرام بالنسبة لأردوغان، الذي تعامل حراسه الشخصيون بفظاظة مع الصحفيين.
خلال خطابه في معهد بروكينغز، هاجم أردوغان مطولا الإرهابيين، وهم وفقا له، الأكراد، والأرمن ( في إشارة منه إلى استئناف الحرب في مرتفعات قره باغ).
الإعلاميون والسياسيون الذي التقوا مع الرئيس أردوغان وعقيلته، لاحظوا تمثيلياته الإسلاموية ( الصلاة جماعة في المسجد، أخذ أمينة أردوغان صورة لها مع ابنة مالكوم اكس، شجب الاسلاموفوبيا) في كل مرة كان يسأل فيها عن انحرافه السلطوي، أو عن مفهومه العرقي لتركيا.
إذا كان الإعلام التركي لم يعط هذه الأمور حق قدرها، فإن سفارات الحلفاء، قد استخلصت العبر.
لقد ولى الزمن الذي كانت تُعذر فيه تركيا عن كل شيء، مادامت تقوم بالعمل القذر، المطلوب منها في سورية.