سؤال يبدو منطقيا في لحظات حرجة يشهدها الشمال الشرقي لسورية، فما هو الجامع لهذا الحدث الذي كسر "استقرار" المسائل داخل سورية
سؤال يبدو منطقيا في لحظات حرجة يشهدها الشمال الشرقي لسورية، فما هو الجامع لهذا الحدث الذي كسر "استقرار" المسائل داخل سورية، دون ان يضع قاعدة يمكنها أن تشكل واقعا جديدا، فالمسألة الكردية في سورية تبدو النموذج الذي يرسم تطورا مختلفا رغم ان وقائعها داخل الأزمة لا تختلف كثيرا عن المسار الذي ظهر قبل عامين ونصف مطالبا بالديمقراطية، وحتى عندما انحسرت سلطة الدولة عن بعض المناطق نتيجة الصراع والعنف، فإن التشكيلات الكردية أخذت مساحتها في التعامل مع الواقع الجديد، وظهرت هيئات مدنية، وفي هذه النقطة بالذات ظهرت المفارقة ما بين "الحراك الكردي" إن صح التعبير، فلم تكن ضمن استراتيجيته إنشاء مناطق لـ"إدارة التوحش"، وبناء علاقات مختلفة جذريا عن ثقافة الدولة، وعلى ما يبدو فإن المواجهة بين السوريين الأكراد و فصائل التمرد المسلح بدى حتمية مع تركيز معارضة الخارج على صياغة الأزمة السورية وفق تجاوز كافة المعطيات على الأرض، وفرض "هيكل سياسي" لا يملك بالضرورة امتدادا اجتماعيا.
الخطأ الأساسي الذي ارتكبه القائمون على الحدث السوري "سياسيا وإعلاميا" هو اعتماد "الآلية" التي ظهرت في دول ما يسمى "الربيع العربي"، فالسلطة السياسية السورية كانت تملك امتدادا اجتماعيا، مهما اختلفنا على نوعية هذا الامتداد، وبالتالي كان من الصعب خلق إرادة عامة واضحة بشأن مطالب الاحتجاجات على الأخص عندما اتجهت مباشرة لشعار إسقاط النظام، والأمر الآخر أن تلك الاحتجاجات لم تكن تملك نفس التراكم الاجتماعي الموجود في مصر، إضافة لتعامل السلطة مع الحراك بطريقة تمنعه من خلق تجمعات كبرى، فقيادات الاحتجاج في الخارج وهي الوحيدة التي ظهرت بقوة منذ البداية كانت تمتلك هوية دينية محددة ، وبشكل سريع اتجه "تحشيد" الإرادة العامة نحو شكل مذهبي أو طائفي، مما خلق فرزا لم يساعد على تحقيق "جامع" يمكن إسناد الحدث السوري إليه، وبالتأكيد فإن السوريين الأكراد كانوا أحد الأطراف القلقة من هذا التوجه، ومن السعي لتمثيلها بشكل قسري في "الهياكل السياسية" التي ظهرت في اسطنبول والدوحة وغيرها من العواصم.
هل كان "العنوان الديمقراطي" أضيق من أن يستوعب "إرادة سورية"؟! بالتأكيد فإن سير الحدث يوضح أن استعارة سيناريو مصري أو ليبي أو يمني أو غيره كان محفزا لدخول البلاد في الفوضى الحالية، وأن سورية الديمقراطية كانت عنوانا يحتاج لبناء توازن جديد داخل "مزيج وطني" يشكل الأكراد، كمسألة خاصة ، عنوانا لا يمكن أن ينسجم مع هوية ظهرت إعلاميا منذ الأيام الأولى للحدث السوري، فالعنوان الديمقراطي لا يحل 60% من مسائل سورية، والعقد الاجتماعي الجديد الذي طرحته بعض التيارات يحتاج لفهم المزيج السكاني الذي أثر حتى على طبيعة السياسة الداخلية لسورية منذ مراحل ما قبل الاستقلال وحتى اللحظة الراهنة.
اليوم تجري معارك الشمال الشرقي لسورية وفق آلية ربما لا يريدها الأكراد، ولا حتى أي من سكان الجزيرة السورية، فالمسألة تحمل ملامح خطرة يمكن ان تؤثر على أي شكل لسورية المستقبل، ورغم أن الصورة الأولى هي لقتال بين كتائب الاتحاد الديمقراطي و الفصائل الإسلامية في التمرد المسلح، لكنها على المستوى الاجتماعي تخلق نزوحا وفرزا سكانيا لا يريده أحد، وفي حال عدم وجود غطاء سياسي عام يقف وراء تلك المعارك ويمنح شرعية اجتماعية لعملية طرد "الفصائل المتشددة" فإن الأمور ستسير بشكل سيؤدي إلى كسر أي تصورات لسورية المستقبل بتنوعها وقيامها على توازن حضاري مختلف.
لا يمكن للسوريين الأكراد الانسجام مع مشاريع الدولة الإسلامية، وفي المقابل لا يمكنهم التوافق أيضا مع "هياكل سياسية" يتم بناؤها في أروقة السياسة للعواصم الكبرى، فهم في النهاية يملكون قضية واقعية ومنسجمون مع وطن يحتاج لتوازن حضاري وليس لتناقضات تراثية وتاريخية.