وتأتي التصريحات بشأن السلاح النوع وسط تطورات ميدانية بدأت بالحديث عن تحضيرات لإنشاء "إمارة إسلامية"
انسحاب معظم الدول الأوروبية "علانية" من مسألة تسليح التمرد في سورية لم يوقف تلك المعركة التي اتخذا أبعادا إقليمية، فالتصريحات الأخيرة لـ"الجيش الحر" تؤكد على وصول "سلاح نوعي"، بينما تظهر ملامح معارك متفرقة ما بين الفصائل في الشمال السوري لتعيد تشكيل الأزمة على قواعد مختلفة، فهناك سياق جديد حسب تقارير غربية؛ يهدف لتشتيت الصراع وجعل أي عملية سياسية تخضع لتوازنات الشمال السوري فقط، فهو الجغرافية التي عدلت مسار رسم الخرائط في بداية القرن الماضي وهي العامل الأهم في صياغة الحلول اليوم.
وتأتي التصريحات بشأن السلاح النوع وسط تطورات ميدانية بدأت بالحديث عن تحضيرات لإنشاء "إمارة إسلامية"، وتطورت عبر الحديث عن عن إنشاء إدارة ذاتية كردية بعد معارك "رأس العين"، ويتوقع لهذه التطورات أن تثير حفيظة "الأتراك" كونها تتعلق بالأمن القومي لتركيا، وهي حتى اللحظة لم تتضح ملامح مثل هذه الإجراءات، حيث يمكن اعتبار توجه بعض الأطراف بالتلويح بإقامة ترتيبات إدارية خاصة على الحدود مع تركية نتيجة لأمرين:
– الأول سحب الشرعية عن "التمرد المسلح" بصيغته الحالية من قبل الدول التي كانت تدعمه بغض النظر عن مستقبله أو ما يحمله من توجهات سياسية، وهو ما دفع للبحث عن صياغات جديدة على الأخص بعد احتدام الصراعات داخل فصائل التمرد، فالحديث اليوم عن السلاح النوعي من قبل "الجيش الحر" موجه أساسا إلى الفصائل العسكرية الأخري وليس إلى الجيش العربي السوري.
– الثاني إرباك العملية السياسية من خلال تصور مختلف يدفع عمليا إلى التفكير بسورية خارج وحدة الجغرافية التي يوافق عليها الجميع ولو ظاهريا، فالحديث اليوم يتم عبر مساحات جديدة لإمكانية الضغط على كافة الأطراف من خلال "مناطق الحكم الذاتي"، التي تُقلق من قدم الدعم اللوجستي للتمرد المسلح، إضافة لكونها أمرا يهم الدولة السورية.
في المثابل فإن الاستراتيجية الأمريكية لم توضح حتى اللحظة طبيعة استراتيجيتها بشأن الأزمة السورية بعد "إيقاف" التسلح، والواضح أن إدارة بوش اتجهت نحو الملف الفلسطيني لترتيب أوراقها بعد انهيار حكم الأخوان المسلمين في مصر، فهي تتعامل مع أوراق شرق أوسطية أقل خطورة من الأزمة السورية، وأولوياتها تتجه لضمان سير الحدث المصري ضمن خط أمن وربما دعم السلطات المصرية لحفظ الاستقرار، فالموضوع السوري وخلال الأسابيع الماضيه يظهر على هامش الحدث المصري بالنسبة لواشنطن، فهي تريد "جبهة" عربية مختلفة عن المراحل السابقة، بينما تعمل الرياض على تنظيم صفوف الائتلاف من جديد.
في الشمال السوري اليوم خط صراع استراتيجي لا يحمل معه "مناطق حكم ذاتي" بالمعنى التقليدي، لأن هذه المناطق مختلفة عن "كردستان العراق" التي تملك عمقا جغرافيا داخليا، بينما في سورية يظهر عمقها الأساسي باتجاه تركيا بالدرجة الأولي، وربما على امتداد خط الحدود الذي كان محور صراعات منذ بداية الحرب العالمية الأولى وحتى نهاية الثلاثينات من القرن الماضي، فهل ستسعى بعض القوى إلى التعامل مع هذا الخط الاستراتيجي الخطر؟ هذا السؤال مازال مفتوحا بانتظار التحركات الدبلوماسية خلال الأسابيع القادمة وذلك بعيدا عن التصريحات بشأن السلاح النوعي التي لا تحمل إلا مزيدا من التوتر.