انطلقت الحرب العالمية الثالثة فعلياً من يوغوسلافيا، وامتدت إلى أفغانستان، ثم العراق، فليبيا، واليمن، ووضعت أوزارها في سورية. وقد اقتصرت ساحة المعركة على البلقان، والقوقاز، وما يطلق عليه الآن اسم «الشرق الأوسط الموسع»، وأودت بحياة أعداد هائلة من المسلمين، والمسيحيين الأرثوذكس. وهاهي تختم آخر فصولها في القمة الثنائية بين الرئيسين بوتين وترامب في هلسنكي.
يمكننا وصف التحولات العميقة التي غيرت العالم خلال السنوات الست والعشرين الماضية، بأنها صراع بين طبقة حاكمة فوق وطنية من جهة، وحكومات مسؤولة أمام شعوبها من جهة أخرى.
لم يفهم الكثيرون منذ الحرب في البوسنة والهرسك (1992) أن التحالف بين الناتو والإسلام السياسي، مهَّد الطريق لتدمير العالم الإسلامي.
حتى في وقتنا الحالي، وعلى الرغم من كل ما قام به رجال الإعلام والمؤرخون، فإن الكثيرين ما زالوا يجهلون فداحة التلاعب الذي وقعنا جميعنا، ضحايا له. إنهم يرفضون الاعتراف بأن حلف الناتو كان ينسق حينذاك بين مساعدين سعوديين، وإيرانيين على امتداد القارة الأوروبية. وهذه حقيقة يستحيل دحضها، ويرفضون بالمثل، الاعتراف بأن تنظيم القاعدة، التي تتهمها الولايات المتحدة بارتكاب هجمات 11 أيلول، كانت ولا تزال تقاتل تحت إمرة الناتو في ليبيا، وسورية. وهذه حقيقة أخرى من المستحيل دحضها أيضاً.
بيد أن الخطة الأولية، التي كانت ترمي إلى جعل العالم الإسلامي يقف ضد العالم الأرثوذكسي، تبدلت وهي لا تزال في منتصف الطريق، ولم تقع «حرب الحضارات»، بعد أن انقلبت إيران الشيعية ضد حلف شمال الأطلسي الذي خدمته، من دون قصد في يوغسلافيا، وانضمت إلى روسيا الأرثوذكسية، لإنقاذ سورية المتعددة الأعراق والأديان.
في هلسنكي، ليست الولايات المتحدة هي من وقع على الاتفاقية مع الاتحاد الروسي. بل البيت الأبيض فقط. لأن العدو المشترك، لهما هو مجموعة عابرة للحدود، تمارس سلطة موازية في الولايات المتحدة.
وبالنظر إلى أنه هو شخصياً، وليس الرئيس المنتخب الذي يمثل الولايات المتحدة، لم تتردد تلك المجموعة الضاغطة في اتهام الرئيس ترامب فوراً بالخيانة.
لقد نجحت هذه المجموعة العابرة للحدود في جعلنا نعتقد أن الأيديولوجيات قد ماتت، وأن التاريخ قد انتهى. وقدمت لنا العولمة، أي الهيمنة الأنغلوسكسونية من خلال نشر اللغة ونمط الحياة الأميركية، كنتيجة لتطور تقنيات النقل والاتصالات. مثلما أكدت لنا أن الديمقراطية، أي حكومة الشعب، بالشعب، وللشعب، هي حل مثالي لكل الناس، وأنه من الممكن فرضها على الجميع بالقوة.
وأخيراً، قدمت لنا حرية حركة الناس ورأس المال، كحل لكل مشاكل العمل والاستثمار.
بيد أن هذه التأكيدات، التي سلمنا بها جميعاً في حياتنا اليومية، لا يمكن لها أن تصمد لحظة واحدة أمام التفكير المتأني.
ليس من قبيل المصادفة على الإطلاق أن تكون سورية، التي تخيل أهلها فكرة الدولة، وشكلوها قبل عدة آلاف من السنين، هي الأرض التي تنتهي فوقها هذه الحرب الكونية.
ولأن سورية دولة حقيقية، لم تتوقف عن أداء وظيفتها أبداً، فقد تمكنت، هي وشعبها، وجيشها، ورئيسها، من الصمود في وجه أكثر تحالفات التاريخ هولاً.
مشاركة